ليلة القدر
ليلة القدر
الحمد لله ثمّ الحمد لله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يتّخذ صاحبة ولا ولدا أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره.
لك الحمد ربّنا على ما أنعمت به علينا.
والصّلاة والسلام على سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقرّة أعيننا أحمد بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشّرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه سراجا وهّاجا وقمرا منيرا فهدى الله به الأمّة وكشف به عنها الغمّة وبلّغ الرّسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيا من أنبيائه وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحقّ المبين وأشهد أنّ سيدنا محمّدا رسول الله الصّادق الوعد الأمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطّاهرين.
أمّا بعد أيّها الأحبّة المسلمون أوصي نفسي وإيّاكم بتقوى الله العظيم.
يقول الله تعالى في القرءان الكريـم: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير مّن ألف شهر تنزّل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربّهم مّن كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر}.
ها قد دخلنا بحمد الله في العشر الأخير من رمضان المبارك وما يحمل معه من فضائل وبركات، نعدّ أيّامه المباركات الباقيات وقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يجدّ في العشر الأخير بالاعتكاف في المسجد.
رمضان المبارك هذا خصّه الله تعالى بما خصّه دون سائر الشّهور ففيه أنزل القرءان الكريم وفيه أنزل الإنجيل على عيسى بن مريم وفيه أنزلت التّوراة على موسى بن عمران، فعن وائلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الإمام أحمد: \"أنزلت التّوراة لستّ مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان}.
والله تعالى يقول: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} في شهر رمضان ليلة خير من ألف شهر، العمل فيها بطاعة الله تعالى يكون خيرا من العمل في غيرها من ألف شهر.
ليلة القدر أمر جبريل عليه السّلام أن يأخذ من اللّوح المحفوظ بأمر الله تعالى القرءان الكريم ونزل به دفعة واحدة وكانت ليلة الرّابع والعشرين إلى بيت العزّة في السّماء الأولى ثمّ بعد ذلك نزلت آيات القرءان الكريم مفرّقة وبعدما تمّ نزوله بعد مضيّ ثلاث وعشرين سنة علّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صحابته الكرام ترتيب المصحف وتلاوته على النّحو الموجود الآن بين أيدينا الذي أوّله سورة الفاتحة وبعدها سورة البقرة وآخر المصحف سورة النّاس ولكن ترتيب المصحف ليس على النّحو الذي هو نزل به مرتّبا بل أوّل ما نزل من القرءان الكريم خمس آيات من سورة العلق: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربّك الأكرم الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم} وآخر آية أنزلت من القرءان الكريم ليست من سورة النّاس بل قول الله تعالى: {واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس مّا كسبت وهم لا يظلمون}.
نزل القرءان الكريم في ليلة مباركة كما قال الله تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة مباركة} هذه اللّيلة المباركة هي ليلة القدر، هي اللّيلة التي قال الله تعالى فيها: {فيها يفرق كلّ أمر حكيم}، أي فيها يطلع الله تعالى ملائكته الكرام على أخبار السّنة القابلة من إماتة وإحياء ومن من عباده سيبتليهم الله تعالى بالمرض والفقر والبلاء وممّن ينعم الله عليهم بالصّحّة والغنى وغير ذلك، يطلع الله في ليلة القدر الملائكة المقرّبين وهذا المعنى في قوله تعالى: {فيها يفرق كلّ أمر حكيم} وليست الآية عن ليلة النّصف من شعبان.
يقول تبارك وتعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر} هي ليلة عظيمة الشّأن لا تكون إلاّ في شهر رمضان ولا يشترط أن تكون ليلة السّابع والعشرين منه بدليل حديث وائلة بن الأسقع الذي فيه أنّ القرءان أنزل ليلة الرّابع والعشرين منه، فيحتمل أن تكون أيّ ليلة من ليالي رمضان لكن لا تخرج عن رمضان والغالب أنّها تكون في العشر الأواخر من رمضان.
{ليلة القدر خير من ألف شهر} فمن أراد إحياء ليلة القدر فليتهيّأ بالطّاعة على النّحو الذي أمر الله تعالى، يحييها بذكر الله، يحييها بالاستغفار، يحييها بصلاة التّطوّع، يحييها بتلاوة القرءان الكريم، ومن كان عليه قضاء صلوات فوائت فإنّه يشغل نفسه في ليلة القدر بقضاء الصّلوات الفوائت بدلا من أن يصلّي النّوافل فقد قال العلماء: من شغله الفرض عن النّفل فهو معذور ومن شغله النّفل عن الفرض فهو مغرور.
ولقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّها إذا رأت ليلة القدر بم تدعو، قال لها: \"قولي اللّهمّ إنّك عفوّ تحبّ العفو فاعف عنّي\"، وتتميّز ليلة القدر بالنّسبة لمن يراها يقظة أنّه يرى أنوارا غير أنوار الشّمس والقمر والكهرباء أو قد يرى أنّ شروق شمس تلك اللّيلة المباركة في صبيحتها يختلف عن شروق شمس صبيحة باقي الأيّام، {تتنزّل الملائكة} ملائكة الرّحمة.
ومن النّاس من يراها في المنام كأن يرى الأشجار ساجدة لله تعالى وقد يرى ذلك يقظة والأكمل والأقوى رؤيتها يقظة ومن رآها في المنام ثبتت له لكنّها أقلّ من رؤيتها يقظة.
فمن أكرمه الله تعالى برؤيتها في تلك اللّيلة فليدع الله أن يفرّج الكرب عن المسلمين وأن يرفع البلاء والغلاء عن المسلمين وأن يرفع عنهم ويفرّج عنهم ما أهمّهم.
هذه اللّيلة العظيمة تهيّأوا لها بالطّاعات فمن لم يرها لا يقظة ولا في المنام يؤجر على إحيائها بقيامه بتلك الطّاعة تلك في اللّيلة المباركة.
فهيّؤا الزّاد ليوم المعاد وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا واستعدّوا ليوم لا بدّ فيه من أن تدخلوا حفرة القبر والقبر باب وكلّ النّاس داخله، وملك الموت لا يستأذن كبيرا كما لا يستأذن صغيرا، لا يترك قويّا معافى كما لا يترك مريضا أو شيخا هرما، فأقبلوا إلى آخرتكم بالطّاعة والتّوبة قبل الموت. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|