يوم عرفة
يوم عرفة
الحمدُ للهِ الذي أنعمَ علينا بالإسلامِ وأكرمنا بالإيمان وشرحَ صدورَنا بالقرءان. والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ خيرِ الأنام.
أما بعدُ، أيُّها الأحبةُ المسلمونَ أوصي نفسِيَ وإياكُم بِتَقْوى اللهِ العظيمِ والسيرِ على خُطى رسولِه الكريمِ، يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في كتابِه العزيزِ: {فإذا أَفضتُم من عرفات فاذكُروا اللهَ عندَ المَشْعَرِ الحرامِ واذكروهُ كما هداكُم} ويقولُ الحبيبُ الأعظمُ محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "الحَجُّ عرفة".
إخوةَ الإِيمان، لا يفصل بينَنا وبينَ اليومِ التاسِعِ من ذي الحِجَّةِ سوى أيامٍ قليلةٍ، والتاسعُ من ذي الحِجَّةِ هو اليومُ الذي يَجْتَمِعْ فيهِ قاصِدو بيتِ اللهِ الحرامِ على ذلكَ الجبلِ لِيُؤَدُّوا فريضةً مِنْ فرائِضِ الحجّ الذي لهُ وقتٌ محددٌ، لذلكَ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "الحجُّ عرفة" أي أن أشدَّ أعمالِ الحجِ احتياطاً لهُ ومبادرةً إليهِ هو الوقوفُ بعرفةَ، وذلك أنَّ سائِرَ أركانِ الحجِّ فيها توسيعٌ في الوقتِ، وأما ركنُ الوقوفِ بعرفةَ فوقتُهُ قصيرٌ محَدَّدٌ وهو من ظُهْرِ يومِ التَّاسِعِ من ذي الحِجَّةِ إلى فَجرِ يومِ العيد.
وليسَ مرادُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام بقولِهِ: "الحجُّ عرفة" الذي ظَنَّهُ بعضُ من لم يتعَلَّمْ مِنْ أنَّ الشخصَ إذا وَقفَ بعرفةَ نالَ الحجَّ والعمرةَ ولو لم يأتِ ببقيةِ أركانِ الحجّ فهذا جهلٌ قبيحٌ. والوقوفُ بعرفَةَ فيهِ حكمةٌ عظيمةٌ وذكرى جليلةٌ فعندَما يرى الحاجُّ الحجاجَ بالآلافِ فوقَ عرفات يتذكرُ يومَ القيامَةِ وما فيهِ من مواقِفَ عظيمةٍ، فالحاجُ يرى من شِدَّةِ ازْدِحامِ الناسِ على جبلِ عرفةَ ويسمعُ ارتفاعَ أصواتِهم بالدعاءِ للهِ الملِكِ الديّانِ مُتَذَلّلين خاشعينَ يرجونَ رحمتَه ويخافونَ عذابَه، يدعونَ اللهَ خالِقَهم ومالِكَهُم وهم على لُغاتٍ شتى وألوانٍ وأحوالٍ مختلفةٍ، كل هذا يذكّرُهُ بيومِ القيامَةِ ومواقِفِها المَهِيبَةِ الهائلةِ حيثُ يقفُ الجميعُ مُتَذَلّلينَ مُفْتَقِرِينَ لِخالِقِهم مالكِ الملكِ الواحدِ القهارِ. في هذا الموقِفِ يتذكرُ الحاجُ أيضا اجتماعَ الأممِ مع أنبيائِهم يومَ الحسابِ وكيفَ أن كلَ أمةٍ تَقْتَفي نبيَّهَا ويطمعُ العصاةُ المسلمونَ في شفاعتِهم.
يومُ عرفةَ جعلَهُ اللهُ تباركَ وتعالى بفضلِهِ أفضلَ أيامِ السنةِ، هذا اليومُ الذي يزدَحِمُ فيهِ الحجاجُ على اختلافِ ألوانِهِم وصُورِهم ولُغاتِهم لِيُؤدُّوا عبادةً عظيمةً فيها أبهى مظاهرِ الوَحدة حيثُ يجتمعُ المسلمونَ تحتَ رايةِ التوحيدِ التي جمعَتْهم فوقَ أرضٍ واحدةٍ يدعونَ رباً واحداً لا شريك له، نعم لقد وحَّدَهم توحيدُ اللهِ والتصديقُ برسولِه والإيمانُ بدينِه.
قالَ اللهُ تعالى: {واعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعا ولا تفرقوا}. في هذه الآيةِ الكريمةِ أمرٌ عظيمٌ لا غنى لنا عنهُ هو الاعتصامُ بحبلِ اللهِ المتينِ الذي لا انفصامَ لهُ، ولقد بيَّنَ اللهُ لنا في القرءانِ أن صحابَةَ النبيّ الكريمِ توَحَّدوا واجتمعوا على الإيمانِ باللهِ ورسولِه واعتصموا بحبلِ اللهِ أي تمسكوا بالدينِ وحَكَموا بحُكْمِه ووقَفوا عندَ حدودِهِ ولم يُغالوا ولم يُفرِطوا في دينِهم ولم يُفَرّطوا بل فهموا معنى قول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} البقرة /143.
أما ما نراهُ اليومَ من المغالاةِ ومن التطرفِ ومن الإفراطِ والتفريطِ الذي تُسبّبُهُ بعضُ الجماعاتِ ليزيدوا الشَّرْخَ بينَ المسلمينَ وليزيدوا الفُرقةَ بينهم خِدمةً لأعداءِ الأُمَّةِ الذين يعملون ليلاً نهاراً على تفريقِ جمعِ المسلمينَ وتشتيتِ كلمتِهم ومحاربةِ كلِ دعوةٍ مخلصةٍ لتوحيدِ صفوفِهم.
وإن التحذيرَ من أهلِ الضلالِ الذين يعيثونَ في الأرضِ فساداً واجبٌ شرعاً لأنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: "حتى متى ترِعون عن ذِكرِ الفاجرِ اذكروهُ بما فيهِ كي يحذرَهُ الناس" رواه البيهقي.
لذا فيجبُ التحذيرُ من الذين يضرونَ الناسَ في أمرِ دينِهم ومنَ الذينَ يضرونَ الناسَ في أمرِ دنياهم، والعجب العجاب من هؤلاءِ الذين يعترضونَ على من يحذّرُ من أهلِ الضلالِ الذين ينشرونَ المفاسدَ والمسائلَ التي تخالِفُ شرعَ اللهِ باسمِ الإسلامِ، فإن التحذيرَ منهم هو من بابِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ وليسَ من قبيلِ تفرقةِ المسلمينَ أو من بابِ فكّ وحدةِ المسلمين، فإنه لو تُرِك التحذيرُ من الضلالِ وتُركَ التحذيرُ من أهلِهِ لانتشرَ الضلالُ واستفحلَ ولكانَ الناسُ شياطينَ خرسا. قال أبو علي الدقاق: "الساكتُ عن الحقِ شيطانٌ أخرس".
واعلموا أيها الأحبةُ المسلمون أنه إذا أصيبَ جسمُ أحدِكُم بالآكلةِ (الغرغرينا) هل يقولُ: " أنا أتركُها في يدي أو رجلي لا أقطعُها لأنها جزءٌ مني فكيفَ أقطَعُها؟ يتركُها حتى تنتشِرَ في كلِّ جسمِه فيهلِك فيموت.
هل هذا هو الفطن؟ أم يقولُ هذا الجزءُ الذي أصيبَ بالغرغرينا استَأْصِلُهُ حتى لا يَعُمَّ المرضُ كلَّ جسمي.
فهؤلاء الذين ينشرونَ الضلالَ بينَ المسلمينَ وهم يدَّعونَ الإسلامَ مَثَلُهم كَمَثَل الآكِلة، هل تُتْركُ أم تُسْتَأْصَلُ حتى لا ينتشِرَ الفسادُ والضلالُ؟ بل يجبُ التحذيرُ منهم ومن مقالاتِهم، وبهذا يحصلُ أحدُ أمرين: إما أن يَكُفَّ هذا الضالُّ عن ضلالِه، وإما أن يَخِفَّ شرُّه، وكلا الأمرين خيرٌ لمجتمعِ المسلمين.
لذا نقولُ إن مَنْ يدعو إلى عقيدةِ وعملِ الرسولِ والصحابةِ هل هو يفرّقُ المسلمينَ أم الذين خالفوا مئاتِ الملايينِ من المسلمين؟ أليسَ الذي كفَّرَ المتوسلينَ بالأنبياءِ والأولياءِ والمتبركينَ بهم وبآثارِهم هو من يريدُ التفرقَةَ. أليسَ من قالَ "اللهُ جالسٌ على العرشِ" هو المُشَبّهُ الذي خالَفَ كلَّ المسلمينَ وكَذَّبَ القرءانَ وهو الذي يفرّقُ ويزرَعُ الفسادَ.
أليسَ الذي قالَ "إن المجتمعَ اليومَ مجتمَعٌ جاهِلِيٌ ليسَ فيهِ مسلمٌ "حتى المؤذن اعتبرَهُ كافراً لأنه لا يعمَل ثورةً على الحكامِ، أليس هذا هو الداعي إلى الفوضى والقتلِ بلا حقٍ كما نرى ونسمعُ اليوم؟ أليسَ الذي قال "لا يجوزُ للرجالِ دعوةُ النساءِ إلى الدينِ بل هذا خروجٌ عن الإسلام"ِ فكفَّر بذلك المسلمينَ حتى الأنبياءَ الذين دَعَوُا الرجالَ والنساءَ للدين. فمن الذي يفرّق إذن؟
فالتحذيرُ من مثلِ هؤلاءِ لا يفرقُ وحدةَ المسلمينَ لأن مثلَ هؤلاءِ هم يفرّقون وحدةَ المسلمينَ بسببِ طروحاتِهم المخالفةِ لشريعةِ الله. فنسألُ اللهَ أن يميتَنا على كامِلِ الإيمانِ وأن يثبّتَنا على الحقّ وعلى العقيدةِ الصحيحةِ.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|