ليلة النصف من شعبان
ليلة النصف من شعبان
إن الحمدَ للهِ نحمدهُ ونَستعينهُ ونَستغفره ونستهديهِ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسِنا ومن سيئات أعمالِنا من يهدِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِد ولا ندّ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدنا وقرّةَ أعيُنِنَا محمدًا عبدهُ ورسولهُ وصَفيه وحبيبهُ صلى الله عليه وعلى كلّ رسولٍ أرسلَه.
من بعثَهُ الله رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلغ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ونَصَحَ الأمةَ فجزاهُ الله عنا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائه. أما بعدُ فيا عبادَ الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم.
واعلموا أن الله تعالى يقولُ في القرءانِ الكريم .
إخوةَ الإيمان، يقول ربنا عز وجل :}قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{، قد فازَ من كانَ عملُهُ زاكيًا، قد أفلحَ من اتقى ربَّهُ وأقبلَ على الآخرةِ بهمةٍ عاليةٍ، فكلُّ عملٍ يَعمَلهُ هذا العبدُ للهِ تعالى مُخلصًا في نيتهِ فإن لَهُ بكلّ حسنةٍ عَشْرَ أمثالِها، هذا أقلُّ ما يُكتبُ للعبدِ المسلمِ، ثم يُضاعِفُ الله تعالى الحسنةَ الواحدةَ لمن يشاءُ إلى سبعمائةِ ضعفٍ، ويزيدُ من شاءَ على ذلكَ إلى أضعافٍ كثيرةٍ قد تكتبُ الحَسَنةُ الواحدةُ بمائةِ ألفِ حسنةٍ، وقد تكتبُ بألفِ ألفٍ، وقد تكتبُ بأكثرَ من ذلك. والله تعالى يقول في القرءانِ العظيم }وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا{ [سورة القصص] أي لا تنسَ نصيبَكَ لآخِرَتِكَ من دنياكَ، فمن تزودَ لآخرتهِ من هذه الدُّنيا فهو المتزودُ، ومن فاتَهُ التزوّدُ للآخرةِ من هذه الدنيا فقد فاتَهُ التَّزَوُّدُ وربُّنا يقول: }وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{ [سورة الأعلى] يعني الجنةُ أفضَلُ وأدومُ من الدنيا، فحريٌّ بنا في ليلةِ النصفِ من شعبانَ أن نُقبلَ إلى طاعةِ الله، ليلةُ النِصْفِ من شعبانَ هي ليلةٌ مباركةٌ، وأكثرُ ما يَبلغُ المرءُ تلكَ الليلةَ أن يقومَ ليلَها ويصومَ نهارَها ويتقي الله فيها.
إذا العشرونَ من شعبانَ ولَّتْ فواصِلْ شربَ ليلِكَ بالنهارِ
ولا تشربْ بأقداحٍ صِغَارٍ فقد ضاقَ الزمانُ عن الصِغَارِ
وينبغي للشخصِ في هذهِ الليلةِ كما ينبغي له في سائرِ الأوقاتِ أن يتذكرَ أن الموتَ ءاتٍ لا محالةَ.
وكم هي عظيمةٌ تلكَ الكلماتُ التي تقولُها ملائكةُ الرحمةِ للأتقياءِ عند مفارقَتِهِمُ الدنيا، يقولونَ للمؤمنِ التقي: }نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{ [سورة فصلت] اللهم تَوفنا على كاملِ الإيمانِ يا رب العالمين.
ثم لا بُدَّ لنا أن نبينَ أن ليلةَ النصفِ من شعبانَ ليستِ الليلةَ التي قالَ الله فيها: }فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{ [سورة الدخان] وإن كانَ شاعَ عند بعضِ العوامِ أن هذه الليلةَ هي ليلةُ النِصفِ من شعبانَ فهذا غيرُ صحيحٍ، والصوابُ أن هذهِ الليلةَ هي ليلةُ القدرِ.
ومعنى أنَّ الله يُطْلِعُ ملائِكَتَهُ في هذهِ الليلةِ ليلةِ القدرِ على تفاصيلِ ما يحدثُ في هذهِ السَّنَةِ إلى مِثْلِها من العامِ القابلِ من موتٍ وحياةٍ وولادةٍ وأرزاقٍ ونحوِ ذلكَ.
ومما ينبغي الانتباهُ منه دعاءٌ اعتادَ بعضُ الناسِ على تَردادهِ في هذه الليلةِ أي ليلةِ النِصْفِ من شعبانَ، وهو: "اللهم إن كنتَ كتبتني عندكَ في أُمِ الكتابِ مَحرومًا أو مَطرودًا أو مُقتَّرًا عليّ في الرزقِ فامحُ اللهم بفضلكَ شقاوتي وحِرماني وطردي وإقتَارَ رزقي".
فهذا لم يثبت، ولا يجوزُ الاعتقادُ أن الله يغيرُ مشيئَتَهُ، فمن اعتقدَ أن الله يغيرُ مشيئَتهُ بدعوةِ داعٍ فقد فَسدَتْ عقيدَتُهُ، فإن مشيئةَ الله أزليةٌ أبديةٌ لا يطرأُ عليها تغيُّر ولا تحولٌ كسائرِ صفاتهِ علمهِ وقُدرتهِ وتَقديرهِ وغَيرِها.
فلا تَتغيرُ مشيئةُ الله بدعوةِ داعٍ أو صَدقةِ مُتصدقٍ أو نذرِ ناذرٍ. أما قولُ الله تعالى: }يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ{ [سورة الرعد] فمعناهُ أن الله تعالى يمحو ما يشاءُ من القرءانِ، ويَرفَعُ حُكْمَهُ، ويَنسَخُهُ، ويُثبتُ ما يشاءُ من القرءانِ فلا يَنسَخُهُ، (ومعلومٌ أن النسخَ يكونُ بوحيٍ من الله لنبيهِ صلى الله عليه وسلم). وليسَ المرادُ به أن الله يغيرُ مشيئَتَهُ لدعوةٍ أو صدقةٍ أو نذرٍ أو غيرِ ذلكَ.
وصدقَ من قالَ: سبحان الذي يغيرُ ولا يتغيّر، فلو كانَ الله يغيّرُ مشيئَتَهُ بدعوةٍ لغَيَّرها لحبيبهِ المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ورد أَن الرسولَ صلى الله عليه وسلم قالَ: "سألتُ ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدةً، سألتُهُ أن لا يُكْفِرَ أمتي جُملةً فأعطانيها، وسألتُهُ أن لا يُهْلِكَهم بما أهلَكَ به الأمَم قبلَهم فأعطانيها، وسألتُهُ أن لا يُظْهِرَ عليهم عدوًّا من غيرِهم فيستَأصِلُهم فأعطانيها، وسألتُهُ أن لا يجعلَ بأْسَهم بينَهم فمنعنيها" وفي روايةٍ: "قالَ لي يا محمدُ إني إذا قضيتُ قضاءً فإنهُ لا يردّ".
إخوةَ الإيمانِ.... من أرادَ الدعاءَ فلا بُدَّ له من العلمِ، من أرادَ الذكر فلا بدَّ لهُ من العلمِ، من أرادَ الصلاةَ واجبةً كانت أو نافلةً فلا بدَّ له من العلم، من أرادَ الصيامَ فلا بدَّ له من العلمِ، فعليكم بعلمِ الدينِ فعلمُ الدينِ هو حياةُ الإسلام.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا وإيمانًا قويًّا وثباتًا على الحقِ يا أرحم الراحمين. هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|