فضائل سورة العصر ومعانيها الجامعة لخصال الفلاح
فضائل سورة العصر ومعانيها الجامعة لخصال الفلاح
من عادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا أن يقرأ بعضهم هذه السورة: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وذلك لأن هذه السورة جامعة لما يكون به العبد ناجيًا مفلحًا في الآخرة.
أول خصلة فيها هي خصلة الإيمان والإيمان إذا اطلق يكون شاملا للإيمان بالله ورسوله كما في هذه الآية، أما إذا جمع بين ذكر الله وذكر الرسول فيكون كل من اللفظين لمعنى خاص كقوله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله} في سورة الصف هنا تؤمنون بالله ورسوله، هنا ذكر الله تعالى وذكر رسوله فالإيمان بهما مصرح به.
أما في سورة العصر فأجملت العبارة {إلا الذين ءامنوا}.
ثم ذكر الله تعالى الخصلة الثانية وهي عمل الصالحات، وعمل الصالحات عبارة عن أداء ما افترض الله على عباده من الأعمال.
ثم ذكر الخصلة الثالثة بقوله {وتواصوا بالحق} أي نصح بعضهم بعضًا بالارشاد إلى عمل الخير والبر أي لا يداهنون ولا يغش بعضهم بعضا.
ثم ذكر الخصلة الرابعة وهي في قوله تعالى {وتواصوا بالصبر} وذلك لمعنى التناهي عن المنكر أي لا يداهن بعضهم بعضًا لأن المداهنة خلاف حال الصالحين.
الله تبارك وتعالى أخبر في هذه الآية بأن الإنسان في خسر أي في هلاك إلا من جمع هذه الخصال المذكورة في هذه السورة، الإيمان بالله أي ورسوله وعمل الصالحات والتواصي بالحق أي يحث بعضهم بعضا على عمل البر والتواصي بالانكفاف عما حرم الله تعالى لأن الصبر إذا أطلق قد يكون شاملا للصبر على الطاعات وللصبر عن المعاصي وللصبر على البلايا والشدائد والمشقات وهذا حال من اختارهم الله تعالى من المؤمنين بأن يكونوا من أحبابه وأصفياءه وأولياءه هذه حالتهم.
أما من ليس على هذه الحالة فلا يكون من أولئك. أقل أحوال المسلم أن يكون مؤمنًا بالله ورسوله مجتنبًا للكفر هذا أقل أحوال المسلم أما الزيادة على ذلك بالعمل مع الخصال المذكورة في هذه السورة فهذا شعار الصالحين المفلحين الناجين يوم القيامة من الخزي والعذاب.
والشرط في أن محبة الله تبارك وتعالى تثبت لمن يتناصحون في الله تعالى هو هذا، لا يكون الإنسان محبًا لأخيه في الله تعالى إلا إذا عمل بهذه الآية يدله على الخير الذي يحبه الله من فعل الواجب وينهاه عما يكره الله تعالى من المحرمات، هذه صفة المتحابين في الله الذين ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البيهقي والحاكم وابن حبان وغيرهم: حقت محبتي للمتحابين فيَّ.
ثم أتبع رسول الله في هذا الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه تبارك وتعالى كلمات أخرى منها قوله: وحقت محبتي للمتناصحين فيَّ. جعلنا الله من أهل ذلك الله يحققنا بذلك، اللهم حققنا بذلك، اللهم حققنا بذلك.
عليكم بالعمل بهذه الآية وهذا الحديث تكونوا من المفلحين الناجين الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.
ثم إني أوصيكم بعدم التسرع بالحكم على بعض من يتلفظ ببعض الألفاظ التي تحتمل وجهين أحدهما تكذيب لدين الله وءاخر ليس تكذيبًا.
يعرف حال الرجل ماذا يفهم من هذه العبارة بعد ذلك يحكم عليه لا يتسرع الواحد منا إلى تكفير من يتلفظ بذلك بل لينظر في حال الشخص وإذا لم يعرف حاله فليحسن الظن به يقول لعل أخي هذا لا يفهم منه المعنى الذي هو تكذيب للدين الذي هو مخرج من الملة.
ثم إني أعقب عليكم العمل بالنصائح التي مرت على مسامعكم وهي: تقليل التنعم أو تركه، النصيحة الثانية تقليل الكلام أي لا ينبغي أن يتكلم الشخص إلا فيما يعنيه أي إلا فيما ينفعه في دينه أو في معاشه أي في أمور معيشته ويدخل في ذلك إيناس الغريب، من لقي مسلمًا غريبًا مطلوبٌ أن يؤنسه بالكلام الطيب ولا يتركه يستوحش.
وليس معنى تقليل الكلام أن يظل الرجل مطبقًا شفتيه لا يتكلم لا بخير ولا بشر، أما بالخير فيتكلم ويكثر جهده من ذكر الله تعالى وتعليم الناس ما ينفعهم في دينهم وما أشبه ذلك.
والأمر الثالت ترك الغضب فإن الغضب مهلكة كبيرة ما أكثر من يهلكون بسبب الغضب كثير من الناس الذين يتكلمون بألفاظ الكفر إنما يتكلمون بسبب الغضب يكون سبب كفرهم الغضب يحملهم الغضب على الكفر، وكذلك القطيعة بين المتحابين بين الأقارب أكثر أسبابه الغضب.
كان في العرب القدماء إنسان يقال له حمار ويسكن بلدة يقال لها الجوف هذه الأرض أرض فيها خصب كبير كان له أبناء، الله تعالى أهلكهم بصاعقة نزلت عليهم صاعقة فهلكوا. كان مسلمًا هذا الرجل فغضب غضبًا شديدًا فكفر كفرًا غريبًا فظيعًا ثم زاده غضبه هلاكًا هو هلك ثم تلك الأرض الله تعالى أحرقها صارت سوداء ذلك الوادي صار أسودًا خلا منه الأنس وصار مأوى الجن.
في الجزيرة العربية يقال لتلك الأرض الجوف هذا الشخص يقال له حمار الجوف. كلمة حمار كان العرب يسمون بها ليس هذا الرجل فقط تسمى به بعض الصحابة اسمه عياض أبوه حِمار يقال له عياض ابن حِمار.
أما ترك التنعم ففيه فوائد كبيرة لمن تأمل لأن التنعم يدعو الإنسان إلى الجشع وزيادة الطمع في حب المال ثم أن الإنسان إذا تعود التنعم ثم تغيرت حالته يحاول أن يصل إلى ذلك التنعم بأي وسيلة من الوسائل إن كان بطريق الحلال وإن كان بطريق الحرام همه أن يعود إلى ذلك التنعم على الحال الذي كان عليه من التنعم.هذا همه.
ثم إن التنعم مبخلة أي يخلي الإنسان يبخل عن الدفع في وجوه الخير يقول إذا دفعت المال لهذا المسكين أو لهذه المصلحة الدينية يضعف تنعمي أو يذهب تنعمي فيبخل فيكون حاجزًا بينه وبين أعمال البر والله سبحانه وتعالى أعلم.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|