إتحاف الأكابر في بيان بعض الكبائر
إتحاف الأكابر في بيان بعض الكبائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
يقل الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (سورة النساء ءاية48)
ويقول عزوجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع الغفر} (سورة النجم ءاية 32) ويقول تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نُكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} (سورة النساء ءاية31)
اعلم رحمنا الله وإياك ووفقنا لما يحبه ويرضاه أن أعظم حقوق الله تعالى على عباده ه توحيده تعالى، وأن لا يشرك به لأن الإشراك بالله هو أكبر ذنب يقترفه العبد وهو الذنب الذي لا يغفره الله، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، أي لمن مات على الإيمان ولو كثرت معاصيه وذنوبه.
المعاصي كبائر وصغائر
واعلم أن أهل الحق اتفقوا على أن الذنوب كبائر وصغائر.
وقد بيّن الفقهاء والعلماء جزاهم الله خيرًا ما هي كبائر الذنوب وما هي صغائر الذنوب حتى يعلم الشخص مراتب الذنوب وأحكام الأفعال، وليس في هذا تشجيع للناس على اقتراف الصغائر دون الكبائر، معاذ الله، ولكن لأنّ المعاصي والذنوب بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت ولأن بعض الناس بسبب تماديهم في ارتكاب الكبائر وصل بهم الأمر إلى الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى.
وقد بيّن الله تعالى أن الذي يجتنب كبائر الذنوب ولو وقع اللمم أي صغار الذنوب فإن الله تعالى يغفرها له إذا توضأ وضوءًا شرعيًا كاملا مقبولا عند الله.
وقد روى البخاري رحمه الله تعالى أن رجلا في عهد الرسول الأكرم أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله فذكر ذلك له فنزلت عليه: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} (هود ءاية 114) قال الرجل: ألي هذه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لمن عمل بها من أمتي" ا.هـ. السيئات المذكورة في الآية معناها الذنوب الصغائر.
ولم يكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم تشجيع أمته على هذه المعصية إنما بيّن ما أوحي إليه، ولم يقل رسول الله لمن كان حاضرًا: أخفوا هذا عن الناس.
وفي الصحيح: قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: "الصوات الخمس كفارات لما بينهن ما لم تُغش الكبائر"، ولم يثبت بحديث عن رسول الله حصرها في عدد معيّن، وقد روى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس رحمه الله عن أبيه قيل لابن عباس رضي الله عنهما: كم الكبائر أهي سبع؟ قال: [هي إلى السبعين اقرب] وما ثبت في الحديث أنها تسع ليس المراد به الحصر، والكبيرة عُرّفت بألفاظ متعددة ومن أحسن ما قيل في ذلك: [كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو علق عليه الحد وشدد النكير عليه فهو كبيرة].
وقد أصل عددها تاج الدين السبكي إلى خمس وثلاين من غير ادعاء حصر، وفي ذلك نظم السيوطي رحمه الله ثمانية أبيات هي:
كالقتل والزنا وشرب والخمر ** ومُطلق المُكسر ثم السحر
والقذف واللواط ثم الفطر ** ويأس رحمة وأمن مكر
والغصب والسرقة والشهادة ** بالزور والرشوة والقيادة
منع زكاة ودياثة فرار ** خيانة في الكيل والوزن ظهار
نميمة كتم شهادة يمين ** فاجرة على نبيّنا يمين (1)
(1) أي يكذب على على الرسول من مان يمين بمعنى كذب.
وسبّ صحبه وضرب المسلم ** سعاية عق وقطع الرحم
حرابة تقديمه الصلاة أو ** تأخيرها ومال أيتام رأوا
وأكل خنزير وميت والربا ** والغلّ أو صغيرة قد واظبا
وقد روى البخاري رحمه الله في (( الأدب المفرد)) مرفوعًا وموقوفًا: "الكبائر تسع الشرك بالله وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
وقد قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اي الذنب أعظم عند الله، قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك"، قال: ثم اي، قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قال: ثم أي، قال: "أن تزاني حليلة جارك"، فأنزل الله تعالى تصديقها: {والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانًا إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحًا فأولئك يُبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا} (سورة الفرقان 68/69/70)
وحكم الكبائر أن المسلم الذي يرتكبها ويموت على ذلك فهو تحت مشيئة الله فإن عُذب في النار فإنه لا يُخلد فيها بل يخرج منها بعد عذاب إلى الجنة.
من الكبائر
ومن الكبائر عدم الاستنزاه من البول فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: مرّ رسول الله على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يُعذبان في كبير إثم، قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول، ثم دعا بعسيب رطب فشقّه اثنين فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا ثم قال: لعلّه يخفف عنهما"ا.هـ.
وصاحبا هذين القبرين كانا مسلمين ففي رواية أحمد أنه عليه الصلاة والسلام مرّ بالبقيع فقال: "من دفنتم اليوم ها هنا" فهذا يدل على أنهما من المسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين ولو كانا كافرين لما قال الرسول: "لعلّه يخفف عنهما".
وفي حديث ءاخر رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"، معناه تحفظوا من البول لئلا يُلوثكم، معناه لا تلوثوا ثيابكم وجلدكم به لأن أكثر عذاب القبر منه.
ومن الأحاديث الحسان الواردة في هذا الباب حديث: "ثلاثة لا يدخلون الجنة (أي لا يدخلونها مع الأولين إن ماتوا بلا توبة) العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء" رواه البيهقي.
والديوث هو الذي يرى الزنا في أهله ثم يسكت مع القدرة على إنكاره.
ويحسن أيضًا عد جماع الحائض من الكبائر.
أما عدّ نسيان القرءان من الكبائر فلا يصح لأن حديث: "نظرت في الذوب فلم أر أعظم من سورة من القرءان أوتيها رجل فنسيها" ضعيف، فهو مُشكل معنًى إلا أن يحمل على معنى ما جاء عن أبي يوسف القاضي من تفسير ذلك بترك العمل به أي بالقرءان.
وكذلك غيبة الأتقياء هي من الكبائر وترك تعلم العلم الديني الضروري أيضًا من كبائر الذنوب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" راه البيهقي رحمه الله.
تكفير بعض الكبائر
ومن الحسنات التي تكفّر الصغائر وبعض الكبائر ما ورد في الحديث من أن المسلم إذا التقى بأخيه المسلم ثم تصافحا ثم صليا على النبي فإن الله يغفر لهما الصغائر، وقال بعض الأكابر: قد يغفر الله لهما بعض الكبائر لأن الله أكرم الأكرمين وكذلك الصيغة المباركة: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" من قالها بلفظ صحيح يغفر الله له بعض الكبائر، والله أرحم الراحمين.
نسأل الله تعالى أن يحسن لنا الختام ويميتنا على كامل الإيمان، وأن يحفظنا من المعاصي والآثام إنه على ما يشاء قدير، وصلى الله على محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم.
مواضيع ذات صلة
عذرأ لا يوجد موضوع مشابه
|
|
|
|
|
|