شرح حديث الجارية (3)
هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (80)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حديث الجارية (3)
ثُمَّ كُلُّ ءايةٍ يَتمَسَّكونَ بِها، يَدُلُّ ظاهِرُها عَلَى أنَّ اللهَ حَجْمٌ مُتحيِّزٌ في جِهَةِ فَوْقٍ، وأنَّهُ يَتَحَرَّكُ يَنْزِلُ وَيَنْتَقِلُ إلى تَحْتِ السَّماءِ الدُّنيا، وَأنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ يَنْزِلُ إِلى الأرْضِ مَعَ الْمَلائِكَةِ بِذَاتِهِ، كَمَا هُو ظَاهِرُ الآيَةِ: وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [سورة الفجر] يُجَابُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ بَأَنَّ هَذِهِ الآياتِ تَفْسِيرُها عَلَى الظَّاهِرِ يُؤدِّي إلى التَّناقُضِ في القُرءانِ، وَالقُرْءانُ مُنَزَّهٌ مِنَ التَّنَاقُضِ ، لأنَّ هَذِهِ الآياتِ لوْ فُسِّرَتْ على الظَّاهِرِ لَعَارَضَتْها ءاياتٌ أُخْرى ظَاهِرُها أنَّ اللهَ في جِهَةِ الأرْضِ كَقَوْلِهِ تَعَالى: وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ [سورة البقرة،115]، ظاهرُ هذِهِ الآيةِ أَنَّ اللهَ هُنَا في مُحِيطِ الأَرْضِ بِحَيْثُ يَكُونُ الَّذي يُصلِّي إِلى الْجَنُوبِ أَوْ إلى الشِّمَالِ أوْ إلى الْمَشْرِقِ أوْ إلى الْمَغْرِبِ يكُونُ اتَّجَهَ إِلى ذَاتِ اللهِ، وَهَذا لا يقولونَ بهِ لأنَّهُم يَعْتَقِدونَ أنَّ اللهَ في جِهَةِ أعْلى ولَيْسَ في جِهَةِ أَسْفَلٍ، فَعِنْدَهُم جِهَةُ أَعْلَى جِهَةُ تَشْرِيفٍ أمَّا جِهَةُ أَسْفَلٍ فَلا، وَهُمْ ضَلُّوا بذَلِكَ لأَنَّ اللهَ لا يَتَشَرَّفُ بشىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، ولأنَّ مُؤَدَّى كَلامِهِم أنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ مُتشَرِّفًا بِجِهَةِ العُلُوِّ قَبْلَ أنْ يَخُلُقَها ثُمَّ صَارَ مُتَشَرِّفًا بِها بَعْدَ أنْ خَلَقَها، وهذا تَطَوُّرٌ وتغيُّرٌ واللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لأنَّ التَّغَيُّرَ والتَّطَوُّرَ مِنْ حالٍ إلى حالٍ علامَةُ الْحُدُوثِ. ثُمَّ يُرَدُّ على مَنْ زَعَمَ أنَّ جِهَةَ أَعْلَى جِهَةَ تَشريفٍ بِأنْ يُقالَ لَهُ: حَمَلَةُ العَرْشِ هُمُ الآنَ فَوْقَ السَّماءِ السَّابِعةِ والرَّسولُ في قَبْرِهِ الشَّريفِ تَحْتَ السَّمَاءِ الأُولى ومَعَ ذَلِِكَ هُوَ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ أَفْضَلُ وَأَشْرَفُ وأعْلى مِنْزَلَةً عِنْدَ الله تعالى مِنْهُم وَمِنْ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ.
يُقالُ لَهُم: تِلْكَ الآياتُ، وهي قولُهُ تعالى: ءَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضُ وقولُهُ تعالى: أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَآءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ، قُرْءانٌ، وهذهِ الآيةُ: وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ وأمْثَالُها قُرْءانٌ، وأنتُم لا تَحْمِلُونَ هذهِ الآياتِ الَّتِي ظواهِرُها أنَّ اللهَ في جِهَةِ تَحْتٍ وأَمْثَالَهَا كآيةِ: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدين [سورة الصّافات، 99] على ظاهِرِهَا، هذِهِ الآيةُ تُخْبِرُ عَنْ إِبْراهيمَ أنَّهُ لَمَّا تَرَكَ قَوْمَهُ الَّذينَ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ تَرْكَ عِبادَةِ الأوْثانِ قال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدين ظاهِرُ هذِهِ الآيةِ أنَّ اللهَ مُتَحيِّزٌ في فِلَسْطينَ، لأنَّ إبْراهيمَ كانَ قاصِدًا أنْ يذْهَبَ إلى فِلَسْطين، وأنتُم لا تقولونَ بِظاهِرِ هذِهِ الآيةِ ولا تِلْكَ الآيةِ: وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ، وكلٌّ سَواءٌ تِلْكَ الَّتِي فَسَّرتُمُوها على الظَّاهِرِ والَّتي لَمْ تُفسِّروها عَلى الظَّاهرِ قُرْءَانٌ، على هذا يلزَمُكُم التَّناقُضُ في القُرْءان.
فلا سَبيلَ لِلنَّجَاةِ منْ لُزُومِ التَّنَاقُضِ في القُرءانِ، إلاّ أنْ تُؤَوَّلَ الآياتُ الَّتي ظواهِرُها أنَّ اللهَ في جِهَةِ فوْقٍ مُتَحيِّزٌ، والآياتُ الَّتي ظواهِرُها أنَّ اللهَ في جهةِ تَحَتٍ يَجِبُ أنْ لا تُحْمَلَ على الظَّاهِرِ، هذِهِ تُؤَوَّل وهذِهِ تُؤَوَّل.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|