أَهَمِّيَّةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ في أَوْقَاتِهَا 2
هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (84)
بسم الله الرحمن الرحيم
أَهَمِّيَّةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ في أَوْقَاتِهَا 2
إِنَّمَا الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الآيَةِ {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّـينَ. الّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُون} هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُسَافِرُونَ وَيُصَلُّوُنَ كَلَّ الْصَّلَوَاتِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ، كَذَلِكَ الَّذِي يَكُوُنُ في مَحَلِّ دَعْوَةٍ، دَعْوَةِ عُرْسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فيَتَكَاسَلُ عَنْ أَنْ يَقُوُمَ إِلى الْصَّلاةِ مِنْ بَيْنِ هَؤُلاءِ النَّاسِ الَّذِينَ لا يَهْتَمُّوُنَ لِلْصَّلاةِ، يَقُوُلُ كَيْفَ أَنَا أَقُوُمُ مِنْ بَيْنِ هَؤُلاءِ الْنَّاسِ، فَيُؤَخِّرُ الْظُّهْرَ، يَقُوُلُ أُصَلِّيَهَا في الْبَيْتِ، أَوْ يَقُوُلُ أُصَلِّيَهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، هَؤُلاءِ لَهُمُ الْوَيْلُ، لأَنَّهُ لا عُذْرَ لَهُمْ، إِنَّمَا يَسْتَحْيُوُنَ أَنْ يَقُوُمُوا مِنْ هَذَا الْمَكَانِ لِلْصَّلاةِ، هَؤُلاءِ اسْتَحَقُّوُا عَذَابَ اللهِ،
الْوَيْلُ الَّذِي هُوَ مَذْكُوُرٌ في هَذِهِ الآيَةِ اسْتَحَقُّوهُ، كَيْفَ يَتْرُكُونَ فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِ اللهِ خَجَلاً مِنَ الْنَّاسِ؟ هُوَ في الْحَقِيقَةِ مَنْ قَوِيَ تَوْحِيدُهُ، يَشْهَدُ شُهُودًا وِجْدَانِيًّا في نِفْسِهِ أَنَّهُ لا ضَارَّ وَلا نَافِعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلا اللهُ. فَالإنْسَانُ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ لا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَلا غَيْرَهُ، وَلا يَنْفَعُ نَفْسَهُ وَلا غَيْرَهُ، إِلا بِمَشِيئَةِ اللهِ، فَلِمَاذَا يَعْصِي رَبَّه مِنْ أَجْلِ الاسْتِحْيَاءِ مِنَ النَّاسِ، يَتْرُكُ فَرِيضَةً مِنَ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ مِنْ أَجْلِ الاسْتِحْيَاءِ مِنَ النَّاسِ.
وَهَذَا الأَمْرُ يَكْثُرُ مِنَ الْنِّسَاءِ، يَسْتَحِيْنَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بِيُوتِهِنَّ أَنْ تَقُوُمَ إِحْدَاهُنَّ لِلْصَّلاةِ، لأَدَاءِ الْصَّلاةِ في وَقْتِهَا، فَتُؤَخِّرُ صَلاةً، أَوْ صَلاتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، فَتَكُوُنُ مُسْتَحِقَّةً لِهَذَا الْوَيْلِ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَمَرَ بِإِقَامَةِ الْصَّلاةِ، وَمَعْنى إِقَامَة الْصَّلاةِ هُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا في أَوْقَاتِهَا، لا يُخْرِجُ صَلاةً عَنْ وَقْتِهَا إِلا لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ، كَمَا شَرَحْنَا، وَيَكُوُنُ قَدْ أَتَى بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا، هَذَا مُقِيمُ الْصَّلاةِ، هَؤُلاءِ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى في الْقُرْءَانِ الْكَرِيِمِ، بِإِقَامَتِهِمُ الْصَّلاةَ، قالَ تعالى: "الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" [سورة المائدة، 55]، لَيْسَ مَعْنى إِقَامَةِ الصَّلاةِ أَنْ يَقْطَعَ فَرِيضَةً أَوْ فَرِيضَتَيْنِ إِذَا كَانَ مَعَ النَّاسِ لِمُجَرَّدِ الاسْتِحْيَاءِ، هَؤُلاءِ لَيْسُوا مِنَ مُقِيمِي الْصَّلاة، لَيْسُوُا مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللهُ.
كَذَلِكَ مَنْ يُخِلُّ بِشَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْطَّهَارَةِ بِحَيْثُ لا تَكُونُ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةً، كَأناس يَسْتَعْجِلُوُنَ فَيَتْرُكُونَ شَيْئًا مِنْ أَجْسَامِهِمْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ الْمَاءُ في رَفْع الْحَدَثِ، هَؤُلاءِ لَيْسُوا مِنَ الْمُقِيمِينَ الْصَّلاةَ، لأَنَّ مِنْ إِقَامَةِ الْصَّلاةِ أَنْ يَرْفَعَ الْحَدَثَ إِنْ كَانَ جُنُبًا يُوُصِلُ الْمَاءَ إِلى جَمِيعِ جَسَدِهِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلاً، لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الْمَاءِ بَلْ إِذَا قَلَّلَ مِنَ الْمَاءِ ثَوَابُهُ أَعْظَمُ. كَانَ الْرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ بِمِقْدَارِ صَاعٍ أَحْيَانًا، بَعْضَ الأَحْيَانِ كَانَ يَكْتَفِي لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ بِمِقْدَارِ صَاعٍ، وَالْصَّاعُ هُوَ أَقَلُّ مِنْ كِيلُويْنِ، لِغُسْلِهِ كَانَ يَكْتَفِي بِأَقَلَّ مِنْ كِيلُوَيْنِ.
قال الله تعالى " إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ" [ سورة العنكبوت، 45] وروى البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ" قالوا لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَىْءٌ قَالَ "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" اهـ. والدَّرَنُ هُوَ الْوَسَخُ.
وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عليه وسلمَ يَقول: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤتَ كَبيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبي مُوسى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْبَرْدَانِ هُمَا الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ.
وَعَنْ أَبي زُهَيْرٍ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الْبَشَائِرَ لِمَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ صَحيحَةً وَالتَّخْويفِ الشَّدِيدِ لِمَنْ أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلا عُذْرٍ كَيْفَ يَسُوغُ لِلْبَالِغِ أَنْ يَقَعَ في تَرْكِ الصَّلاةِ أَوْ في إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلا عُذْرٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
إِنَّ الْفَرَاغَ وَالشَّبَابَ وَالْجِدَه مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَة فَينْبَغي مَلء الْفَرَاغِ بِالْخَيْرِ
وَالاسْتِفَادَةُ مِنَ الشَّبَابِ لِلطَّاعَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْجِدَةِ أَيِ الْغِنَى بِصَرْفِ الْمَالِ في الطَّاعَاتِ حَتَّى لا يَكُونَ ذَلِكَ مَفْسَدَةً عَلَى صَاحِبِهِ.
وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|