رسالة في بطلان دعوى أولية النور المحمدي 5
بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة
قال عصريّنا الشيخ عبد الله الغماري في رسالته "مرشد الحائر": "وما يوجد في بعض كتب المولد النبوي من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هي من الغلو الذي نهى الله ورسوله عنه، فلا يعتمد على تلك الكتب ولا يقبل الاعتذار عنها بأنها في الفضائل، لأن الفضائل يتساهل فيها برواية الضعيف، أما الحديث المكذوب فلا يقبل في الفضائل إجماعًا، والنبيّ يقول: "مَن حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين.."، ويقول: "مَن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، وفضل النبيّ صلى الله عليه وسلم ثابت في القرءان الكريم والأحاديث الصحيحة وهو في غنًى عمّا يقال فيه من الكذب والغلو..." اهـ.
ثم إن التشبث بقول إن نور محمد أولُ المخلوقات على الإطلاق نوعٌ من الغلو وقد نهى الله ورسوله عن الغلو.
ومن الغلو أيضًا اعتقاد كثير من الناس أن الولي لا يخطئ في شىء من أمر الدين، وهذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد منكم إلا يؤخذ من قوله ويترك غيرَ رسول الله"، وفي رواية: "غير النبي"، وحسَّنه الحافظ العراقي.
فالولي مهما علت مرتبته يخطئ في بعض المسائل الفرعية إلا في أصول العقيدة ونحو ذلك، وعلى هذا كبار القوم، قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه: "إذا علم المريد من الشيخ الخطأ فلينبهه فإن رجع وإلا فليكن مع الشرع".
وقال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه: "سلّم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشريعة فإذا خالفوا الشرع فكن مع الشرع"، يعني رضي الله عنه الأولياء.
وهذا الحديث صريح في أنَّ كل فرد من أفراد الأمة خواصها وعوامها لا بد أن يكون بعضُ قوله صحيحًا وبعض غير صحيح أي أنه لا يستثنى منهم أحد.
فيجب تحذير هؤلاء المتشبثين بكل ما ينسب إلى الأولياء مما صح عنهم مما هو خطأ ومما لم يصح عنهم وذلك أكثر، ويحتجون لهذا الفهم الفاسد بقول القائل:
وكن عنده كالميْتِ عند مُغَسّلٍ * يُقَلّبُهُ كَيْمَا يشاءُ ويفعلُ
ويظنون أنَّ معناه أنه يجب اتباع الشيخ الكامل في كل شىء وأنه منزه عن الخطإ فهؤلاء الجهلة سَاوَوا الوليَّ بالنبي.
ويكفي شاهدًا لما ذُكر أنه ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه اعترف بالخطإ على نفسه وذلك أنه قال مرةً: "أيها الناس لا تغالوا في مهور النساء فأي إنسان بلغني أنه جعل مهر امرأته أكثر من أربعمائة درهم أخذته ووضعته في بيت المال"، فقالت امرأة: ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول ﴿وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [سورة النساء/20] فصعد عمر رضي الله عنه المنبر وقال: "أيها الناس أنتم وشأنكم في مهور نسائكم أصابت امرأة وأخطأ عمر"، وعمر أفضل أولياء أمة محمد بعد أبي بكر رضي الله عنهما وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه مُلهَمٌ، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحدَّثُون وإنه إن يكن في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب"، وكشف عمر رضي الله عنه ثابت وهو الذي قال: "وافقتُ ربي في أربع" أي وافق إلهامُه القرءان.
فليعلم هذا هؤلاء الأغرار الذين يعتقدون أن ما يقوله شيخ طريقتهم لا يخطئ أبدًا فيتشبشون بما يُنْسَب إلى مشايخهم مما يخالف الشريعة لاعتقادهم أنه لا يصدر منهم إلا ما يوافق الواقع، وهذا نوعٌ من الغلو الذي نهى عنه الله ورسوله قال الله تعالى:﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ [سورة المائدة/77]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلو في الدين" رواه النسائي.
ومن أشد الناس غلوًّا في هذا الزمن بعض المنتسبين للطرق فإنهم يَقبلون إذا قيل لهم المؤلف الفلاني أخطأ في كذا ولو كان من أشهر فقهاء المسلمين ولا يقبلون إذا قيل لهم شيخكم الذي تنتسبون إلى طريقته أخطأ ولو بُيَّن لهم الدليل، فليعلم هؤلاء أنهم خالفوا القرءان والحديث وكلام سيد الطائفة الصوفية الجنيد بن محمد البغدادي رضي الله عنه فإنه قال: "الطريق إلى الله مسدودة إلا على المقتفين ءاثار رسول الله"، وقال أيضًا: "ربما تخطر لي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة".
ومن هنا قال بعض الأصوليين في كتب أصول الفتح: "إلهام الولي ليس بحجة".
خاتمة
إن التشبث بهذا الحديث يقوّي الوهابية على الطعن في أهل السنة وتسفيههم وهم السفهاءُ، فلا خير في التمادي على قول يزيد أولئك الوهابية طعنًا في أهل السنة وتشنيعًا مما ليس له أصل عند أهل السنة، وكذلك القولُ بأنَّ الرسول يعلم كلَّ ما يعلم الله يزيدهم جرأة على الطعن في أهل السنة ولا سيما الصوفية.
فماذا يقول المنتسب إلى السنة أمام الوهابي إذا قال له الوهابي: من أين لكم أن تقولوا هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتيتُ مفاتيح كل شىء سوى الخمس" وهو حديث صحيح صححه السيوطي، وحديث البخاري: "إنكم محشورون الى الله حُفَاةً عُرَاةً غُرلا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ الآية، وإن أول الخلائق يُكسَى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سَيُجَاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول الله: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح :﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ إلى قوله: ﴿الْحَكِيمُ﴾، قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم".
وزاد في رواية سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أيضًا :"فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا"، فهذا نصٌ صريحٌ واضحٌ كالشمس في أن الرسول لا يعلم كل ما يعلم الله.
ثم التمادي على دعوى القول بأن نور محمد أول خلق الله لا يزيد الكافرين إذا سمعوا ذلك إلا نفورًا من الإسلام واستبشاعًا له، فأيُّ فائدة للتعصب لهذا الحديث؟!
فهذا الحديث تَنْفِرُ الكفارُ عند سماعه من بعض المسلمين نفورًا زائدًا على نفورهم الأصلي من الإسلام، فلقد ذكر لي رجلٌ يدعى أبا علي ياسين من أهل الشام أنَّ نصرانيًّا قال له: كيف تقولون أنتم محمد ءاخر الأنبياء وتقولون إنه أول خلق الله؟ وذلك نشأ عنده لما كان يسمع من بعض المؤذنين قولهم عقب الأذان على المنائر: "يا أول خلق الله وخاتم رسل الله"، قال أبو علي ياسين: فلم أجد جوابًا.
والحمد لله، وصلى الله عليه صلاةً يقضي بها حاجاتنا، ويفرّج بها كُرُباتنا، ويكفيَنا بها شرَّ أعدائنا، وسلم عليه وعلى ءاله الأطهار وصحابته الأخيار سلامًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين. انتهى.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|