الخِدْمَــة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، الحمد لله مكوِّر الليل على النهار تبصرة لأولي القلوب والأبصار الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار وبصّر من أحبه فزهدهم في هذه الدار فاجتهدوا في مرضاته والتأهب لدار القرار، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ له وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله .
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم. يقول الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿و لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة الحجر/88 .
إخوة الإيمان، حثنا الله تعالى على التواضع والانكسار، وسيد المتواضعين محمد علمنا بالحال والمقال كيف نتواضع لإخواننا ونتلطف معهم ابتغاء الأجر من الله، فاخفض جناحك لإخوانك واقض حوائجهم واخدمهم وتطاوع معهم فيما يرضي الله، فالمؤمن كالجمل الأنف هذا الذي يوضع في أنفه حلقة إذا انقيد انقاد وإذا استنيخ على صخرة استناخ ولو كان الذي يقوده ولدًا صغيرًا. المؤمن يتطاوع مع إخوانه فيما يرضي الله مع الصغير والكبير.
ومن التواضع أن تخدم إخوانك لله، تخدمهم لوجه الله، لمرضاة الله، الزوجة تخدم زوجها والزوج يخدم أهل بيته، صاحب العمل يخدم موظفيه، الجار يخدم جاره والأولاد يخدمون الأهل وهكذا. قال عليه الصلاة والسلام: "سيد القوم خادمهم". وفي رواية أخرى: " خادم القوم سيدهم".
فإذا خالطت الناس وصبرت على خدمتهم وأذاهم تدخل تحت حديث أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
فإذا كنت في بيتك لا تكن ممن يكثر الطلب ممن حوله ولا تقل ناولوني ، أعطوني ، اجلبوا لي وأنت مستلقٍ بل عاونهم كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بحاجاته في بيته مع أنه كان له من يخدمه صلى الله عليه وسلم. فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم" . وفي رواية لأحمد: "كان رسول الله يعمل في بيته ويحلب شاته ويخدم نفسه".
فإذا دخلت بيتك أخي المسلم أعن زوجتك في أمر الطعام والأولاد وخفف عنها ما تجد من خدمة الأولاد وتربيتهم وساعدها في تهذيب الأولاد وأكرم من هي تحب إكرامًا لها وطيِب لها نفسها وتكلم معها بطيب الكلام وإذا وجدت منها تقصيرًا فالتمس لها عذرًا وخصوصًا إن كانت تعمل لتعينك بنفقات البيت ساعدها ببعض أعمال المنـزل بحيث تقسم الأعباء ليتاح لها أن تحصل العلم الديني وأن تهتم بحاجاتك، فإن لم تجد طعامًا يومًا قد هُيّء لك بادر أنت بالتحضير لك ولها ولأولادك، ولا تشعرها في أمر تربية الأولاد أنك لا تحمل معها عبئًا وكن قدوة لأولادك الذكور و الإناث.
ولا تخجل أخي المؤمن إذا نظفت الثوب أو طبخت أو غسلت الأواني فهذا يرفعك عند الله، لا تخجل إذا قمت بتغيير ثياب ولدك الصغير، ثم إن رأيت زوجتك لا تخرج لمجالس العلم الشرعي فشجعها وحثها كأن تقول لها أنا أجلس أمام الأولاد وأنت اذهبي لعمل كذا أو كذا من أمور الخير. قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" .
فإذا كنت مهمومًا فلا تجعل زوجتك ما يسمى "فشة خلق" تحمل ضعفها، لا تحفظ من عباراتها ما يسوؤك، فإن ساءك منها شىء أعجبك منها أشياء.
فقد روي إخوة الإيمان ما يحثنا على التعلق بخدمة المسلمين أنه ذات يوم أصاب الناس قحط ودخل الناس المسجد يصلون صلاة الاستسقاء وكان في المسجد رجل صالح يراقب المصلين فرأى شخصًا ضعيف البنية صلى في زاوية المسجد وما أن رفع يديه بالدعاء حتى نزل المطر فلحقه ومشى خلفه فلما دخل متجرًا يبيعون فيه العبيد دخل خلفه وسأل صاحب المحل عبدًا يشتريه فصار يريه الواحد تلو الآخر فقال له: ليس هذا طلبي فرد عليه صاحب المتجر نفد ما عندي فقال هذا الرجل الصالح لكني رأيت شخصًا دخل الآن صفته كذا وكذا فقال صاحب المحل هذا لا أبيعه فإنه منذ شريته والله بارك لي في تجارتي، فأصرّ عليه حتى اشتراه منه ولما أخذه ومشى معه قال هذا العبد لِمَ اشتريتني؟ فأنا ضعيف ولا أستطيع خدمتك جسدي لا يساعدني لا أستطيع القيام بخدمتك.
فقال له هذا الرجل الصالح: أنا أشتريك لأخدمك. نعم فهذا الرجل عرف قيمة هذا الشخص العبد وصلاحه فأراد خدمته لله تبارك وتعالى.
فالرجل يخدم زوجته لله، وكذلك هي إن خدمت زوجها ترتفع بذلك عند الله، لا تقل الزوجة كيف أخدمه وأخدم أولاده فأنا لست بخادمة، بل تنوي لله فلعل الله يعتقها من النار بهذه الحسنة، فإذا دخل عليها لاقته بالفرح والسرور وكانت معه ودودة أخذت منه ما يحمل، وإن لم يحمل لها حاجتها فلا تشعره بالتقصير ولا تخشن له الكلام ولا تكثر عليه من العتاب، تكرم من كان من جهة زوجها إكرامًا لزوجها، تطيعه فيما يرضي الله، تصبر عليه في القلة، تنسيه همومه إذا ضاق صدره وتساعده على أمر الآخرة. قال عليه الصلاة والسلام: "من فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة".
فيا أخي اخدم جيرانك، اخدم إخوانك، اخدم موظفيك، اخدم صاحب العمل وتذكّر أن من نعم الله عليك حاجة الناس إليك.
أخي المؤمن ، اخدم أبويك وإخوتك فإن الولد إذا خدم أهله يخفف بهذا عن والده اجرة خادم أو خادمة، ساعد أمك في تنظيف البيت وقل لأختك ساعدي أمك في ترتيب أثاث المنْزل، وإذا اجتمعتم على الطعام لا يقم كل واحد ويترك التوضيب على الأم.
فحال كثير من الأولاد أنهم يثقلون كاهل الأم فتغرق في عمل المطبخ ونحوه وتترك الخروج إلى مجالس العلم الشرعي ونحو ذلك .
فالمطلوب إخوة الإيمان أن نخفف عن أهلنا بنحو غسل الثياب وكويها وتوضيبها، ولا يقل الواحد منا أنا إذا قمت من نومي أرتب سريري فبهذا أكون أديت خدمة لأبوي فمن يقوم بإنزال الثياب في المواسم ؟ وفرش السجاد؟ وإخراج الزبالة؟ من يعين الأم بتربية الأولاد الصغار؟ من يساعد الأم والأب في قضاء حوائج إخوتك الصغار وإنهاء دروسهم؟ من يخدم إن كان عندك عاجز في البيت؟ من يساعد الأب في حاجات سياراته ودفع فواتير المنْزل وما تحتاجه الأسرة؟ قال عليه الصلاة والسلام: "رضى الربِّ من رضى الوالد" .
وأذكّرك أخي المسلم بالنية الخالصة قبل المباشرة بعمل الخدمة، واعلم أن الخدمة تعلّم على تحمّل المصاعب والمشقات ومصائب الدينا كفقدان عزيز أو نحو ذلك.
الخدمة إخوة الإيمان تعلّم الاعتماد على النفس وخاصة أثناء السفر لأجل العمل في الدعوة هناك.
الخدمة أيها الأحبّة تعلّم كسر النفس والتواضع والتطاوع والانكسار.
الخدمة معشر المسلمين تجعل بينكم الإلفة والمحبة والتودّد والأنس والتراحم والتقارب.
الخدمة تفيدك أخي المسلم لأجل اءخرتك من الثواب.
بالخدمة يا صاح يندفع بها عن صاحبها الكسل والكثير من الأمراض .
الخدمة تعينك على التفكّر بـ: مَن أنا ؟!
من أنا بالنسبة لكبار الأتقياء؟ من أنا بالنسبة لمن اشتُهر بالتواضع سيدنا أحمد الرفاعي ؟!
اعمل أخي وجدّ في عملك، أدِّ الواجبات واجتنب المحرمات وأكثر من النوافل وأكثر من خدمة المسلمين ولا تقل أنا لست من الكمّل فتقعدَ وتتركَ العملَ بخدمة إخوانك .كن خادمًا لإخوانك المسلمين واعمل على تفريج كرباتهم.
قال عليه الصلاة والسلام: "لا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" .
اللهمّ ارزقنا التواضع والتطاوع مع إخواننا المؤمنين، اللهمّ يسّر لنا العمل في خدمة المسلمين .
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده وتسعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مع يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم وبالسير على خطى نبيه الكريم القائل: "ليس من نفس ابن ءادم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس . قيل يا رسول الله من أين لنا صدقة نتصدق بها؟ فقال إن أبواب الخير لكثيرة التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتميط الأذى عن الطريق وتسمع الأصمّ وتهدي الأعمى وتدل المستدل على حاجته وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفات المستغيث وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف فهذا كله صدقة منك على نفسك" رواه ابن حبان.
وفي رواية أخرى: وتبسّمك في وجه أخيك صدقة وإماطتك الحجر والشوكة والعظم من طريق الناس صدقة وهديك الرجل في أرض الضالة صدقة" .
وروي أن رجلاً كان معلق القلب بخدمة إخوانه لوجه الله تعالى ولما كان في الغزو ذات يوم قام يخدم إخوانه ثم قتل في أرض المعركة، ولما قاموا بحمل قتلاهم وجدوه بين القتلى ، وجدوه قتيلاً وقد حُفِر على يده "من أهل الجنة".
نعم إخوة الإيمان، هذا من بركات من أخلص النية في خدمة إخوانه. اللهمّ اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ سورة الأحزاب، اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ سورة الحج، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
مواضيع ذات صلة
عذرأ لا يوجد موضوع مشابه
|
|
|
|
|
|