المعــراج
المِعْــرَاجُ والتحذيرُ مِنْ بعضِ المفاسدِ التي تُنشَرُ في هذهِ المناسبةِ
إنَّ الحمد َللهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْديهِ ونشكرُه ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، صلَّى الله ُوسلَّمَ عليهِ وعلَى كُلِّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإنّي ُأوصيكُم ونفسِي بتقوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ وبالتمسُّكِ بنهْجِ رسولِه محمَّدٍ الأمينِ صلواتُ رَبِّي وسلامُه عليهِ.
محمَّدٌ أيَّدَهُ اللهُ تعالَى بانشقاقِ القمَرِ.
محمَّدٌ انقَادَ إليهِ الشجرُ وسلَّمَ عليهِ الحجرُ.
محمَّدٌ نبَعَ الماءُ الزلالُ مِنْ بين ِأصابعِهِ.
محمَّدٌ أنَّ الجِذْعُ اليبيسُ لفِراقِهِ.
محمَّدٌ بكَى الجمَلُ واشتكَى إليهِ عندَ رؤيتِهِ.
نظرةً يا محمَّد يا رسولَ اللهِ، نظرةً يا محمَّد يا أجملَ خَلْقِ اللهِ، نظرةً يا محمَّد يا أفضلَ خَلْقِ اللهِ.
محمَّدٌ أكرَمَهُ اللهُ تعالَى في شهرِ رَجَبٍ المبارَكِ بمعجزةِ الإسراءِ والمعراجِ.
والمعراجُ إخوةَ الإيمانِ مرقاةٌ شِبْهُ السلَّمِ فعُرِجَ بهَا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى السماءِ. وهذهِ المرقاةُ درجةٌ منهَا مِنْ فضَّةٍ والأخْرَى مِنْ ذهَبٍ.
والمعراجُ ثابتٌ بنصِّ الأحاديثِ الصحيحةِ. وأمَّا القرءانُ فلَمْ يَـنُصَّ عليهِ نصًّا صريحًا ولكنْ وَرَدَ فيهِ مَا يَكَادُ يكونُ نصًّا صريحًا. قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىعِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ سورة النجم/13-14-15
فلقدْ رأَى محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جبريلَ عليهِ السَّلامُ على صورتِه الأصليةِ مرّةً أُخرَى أَيْ مرَّةً ثانيةً عندَ سِدرَةِ المنتَهَى، وهذا فيهِ إشَارةٌ إلى المعراجِ لأنَّ سِدرَةَ المنتهَى أَصْلُها في السماءِ السادسةِ وتمتدُّ إلى السابعةِ وإلى مَا فوقَ ذلكَ.
وفي ليلةِ الإسراءِِ شُقَّ صَدْرُ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وغُسِلَ قلبُهُ قبل عروجه حتى يتحمَّلَ مشاهدةَ عجائبِ خَلْقِ اللهِ بقلبٍ قويٍّ. فلقدْ رَأَى تلكَ الليلةَ مالكًا خازنَ النارِ الذِي لَمْ يَضحكْ في وَجْهِ رسولِ اللهِ، فسألَ جبريلَ لماذا لَـمْ يرَهُ ضَاحِكًا إليهِ كغيرِه مِنَ الملائكةِ؟ فقالَ إنَّ مالِكًا لَـمْ يَضحَكْ منذُ خَلَقَهُ اللهُ تعالَى ولَوْ ضَحِكَ لأحَدٍ لَضَحِكَ إليكَ .
ورأَى في السماءِ السابعةِ البيتَ المعمورَ وهو بيتٌ مشرَّفٌ وهُوَ لأهْلِ السماءِ كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ كلَّ يومٍ يَدخلُه سبعونَ أَلْف مَلَكٍ يُصَلُّونَ فيهِ ثمَّ يَخرُجونَ ولا يَعودونَ أبدًا. ورَأَى سِدرةَ المنتهَى وهيَ شجرةٌ عظيمةٌ بهَا مِنَ الحُسْنِ مَا لا يصفُه أَحدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَغشاها فَراشٌ مِنْ ذهَبٍ.
ورَأَى الجنَّةَ وهيَ فَوْقَ السمواتِ السبْعِ منفصلةً عنهَا، فيهَا مَا لا عَينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلْبِ بشَرٍ ممّا أعدَّهُ اللهُ للمسلمينَ الأتقياءِ خاصّةً.وفيها غيُر ذلك مِنَ النعيمِ الذي يشتركُ فيه كلُّ المسلميَن .
ورَأى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ العرشَ وهو أعظمُ المخلوقاتِ حجمًا وحولَهُ ملائكَةٌ لا يَعلَمُ عددَهُم إلا اللهُ. فقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَا السماواتُ السبعُ في جنْبِ الكُرْسيِّ إلا كَحلْقةٍ في أَرْض فَلاة وفضْلُ العرشِ على الكُرسيِّ كفضْلِ الفلاةِ على الحلْقةِ" .
وقالَ الإمامُ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنَّ اللهَ خلَقَ العرْشَ إظهارًا لقُدرتِه ولَمْ يتَّخذْهُ مَكانًا لِذاتِه" .
فيكفرُ مَنْ يعتقدُ أنَّ اللهَ تعالى جالسٌ على العرشِ لأنَّه عزَّ وجلَّ ليسَ كمِثْلِه شىءٌ ولأنّه سبحانَه وتعالى موجودٌ بِلا مكانٍ ومنزَّهٌ عنِ الجلوسِ .
ومِنَ المعلومِ لَدَى أهلِ الحقِّ أنَّ كلامَ اللهِ الذي هو صفةُ ذاتِه قديمٌ أزليٌّ لا ابتداءَ له ليسَ ككلامِنا الذي يُبدأُ ثم يُختَمُ، فكلامُه تعالى أزليٌّ ليسَ بصوتٍ ولا حرفٍ ولا لغةٍ لأنَّ اللغاتِ والحروفَ والأصواتَ مخلوقةٌ ولا يجوزُ على اللهِ أنْ يتَّصفَ بصفةٍ مخلوقةٍ. فلذلكَ نعتقدُ أنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا سمعَ كلامَ اللهِ الذاتيَّ الأزليَّ بغيرِ صوتٍ ولا حرفٍ ولا حلولٍ في الأُذُنِ .
فَفَهِمَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ كلامِ اللهِ الأزليِّ الذاتيِّ فرضيَّةَ الصلواتِ الخمْسِ .وفَهِمَ أيضًا أنَّ اللهَ يَغْفِرُ لأمَّتِهِ كبائرَ الذنوبِ لمنْ شاءَ لهُ ذلِكَ.وأمَّا الكافرُ فلا يُغْفَرُ له مهمَا كانتْ معاملتُه للناسِ حسَنةً ولا يرحمُهُ اللهُ بعدَ الموتِ ولا يُدْخِلُه الجنَّةَ أبدًا إنْ ماتَ على كُفرِه. يقولُ تعالى في القرءانِ العظيمِ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾ سورة النساء/48 .
اللهمَّ احفظْنا مِنَ الكُفْرِ والمعاصِي وَثَبِّتْنَا علَى الإسْلامِ يا رَبَّ العالَمينَ وأَعِدْ علينا هذه الذِّكْرَى ونحنُ نحتفلُ بها في الأقصى يا أَرْحَمَ الراحمينَ .
هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولَكُمْ
الخُطبةُ الثانيةُ:
التحذيرُ مِنْ بعضِ المفاسدِ التي تُنشَرُ في مناسبةِ ذِكرَى الإسراءِ والمعراجِ
إنَّ الحمد َللهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْديهِ ونشكرُه ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لَهُ، والصلاةُ والسلامُ على محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ وعلَى ءالهِ وصحبِه ومَنْ والاهُ.
أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإني أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ وبالتمسُّكِ بنهجِ سيِّدِ الأنبياءِ حبيبنِا محمَّدٍ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ.
وفي هذِه المناسبةِ العظيمةِ ذِكرَى الإسراءِ والمعراجِ لا بُدَّ لنَا أنْ نحذِّرَكُم مِنْ مفاسدَ تنـتشِرُ وتُقالُ في هذِه المناسبةِ كقولِ بعضِ الناسِ إنَّ اللهَ التقَى بمحمَّدٍ كمَا يلتقي البشَرُ ببعضِهِمْ، أوْ كقولِ بعضِهِمْ إنَّ سيِّدَنا محمَّدًا وَجَدَ رَبَّهُ يصلِّي في السَّمَاءِ فهذا والعياذُ باللهِ وَصْفٌ للهِ بصفاتِ خَلْقِهِ، واللهُ تعَالى يقولُ: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ سورة النحل /74
ومِنَ الافتراءِ أيضًا مَا يرويهِ البعْضُ أنَّ جبريلَ علَى زَعْمِهِمْ قالَ لمحمَّدٍ لَمَّا وَصَلَ إلى مَكَانٍ: يا محمَّدُ إنْ دَخَلْتَ أنْتَ وصَلْتَ وإِنْ دَخَلْتُ أَنَا احْترقْتُ. وكقولِ بعضِهِمْ إِنَّ محمَّدًا شَعَرَ بضيقٍ في المعْراجِ فتكلَّمَ اللهُ معَهُ بصَوْتِ أبي بَكْرٍ وَالعِيَاذُ باللهِ . فكلامُ اللهِ ليسَ ككلامِنا ليسَ بلغةٍ ولا حَرْفٍ ولا صَوْتٍ وَحسبنَا قولُه تعَالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ سورة الشورى /11
وكَقولِ بعضِهم إنَّ رَبَّنا وَضَعَ أصابعَهُ علَى ظهرِ محمَّدٍ فشَعرَ ببرودةِ أصابعِ ربِّه. نعوذُ باللهِ العظيمِ من هذا الكفر . هؤلاءِ ما سمِعوا بقولِه تعَالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ سورة الإخلاص /4 ، معناه ليسَ لَهُ شبيهٌ ولا مَثيلٌ .وكقولِ بعضِهم إنَّ اللهَ تشرَّفَ بعروجِ النبيِّ إليهِ وهذا كفرٌ والعياذُ باللهِ. فيا عِبادَ اللهِ تمسَّكوا بمَا جاءَ عَنِ النبيِّ والصحابةِ ومَنْ تبِعَهُمْ بإحسانٍ وانبذُوا الكلامَ البِدْعيَّ المخالِفَ لدِينِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ سورة الأحزاب، اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ سورة الحج، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
مواضيع ذات صلة
عذرأ لا يوجد موضوع مشابه
|
|
|
|
|
|