لا نفسّر الآيات المتشابهات على هوانا
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، جلّ ربّي لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء ولا يحلّ في شىء ولا ينحلّ منه شيئًا، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير. وأشهد أن سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله وسلم عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم كتابه: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾
القرءان أيها الإخوة المؤمنون كتاب الله تعالى فيه ءايات متشابهات وفيه ءايات محكمات، والآيات المحكمات هي التي دلالتها على المراد واضحة كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾. وليعلم أنّ الآيات القرءانية أغلبها محكمة وهنّ أمّ الكتاب كما أخبر ربّنا بقوله عزّ من قائل: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.
أما الآيات المتشابهات هي التي دلالتها على المراد غير واضحة، وقد ذمّ الله تعالى الذين يتبعون ما تشابه من القرءان ابتغاء الفتنة أي الزيغ أي ابتغاء الإيقاع في الباطل والعياذ بالله، لذلك الإمام الكبير الشيخ العارف بالله أحمد الرفاعيّ رضي الله عنه كان يقول: "صونوا عقائدكم من التمسّك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسُنّة فإنّ ذلك من أصول الكفر" . فليس لكلّ إنسان يقرأ القرءان أن يفسّره، فإذا ما سمعت أخي المسلم بآية قرءانية لم تسمع بتفسيرها قبل ذلك قل كما قال الشافعيّ رضي الله عنه: "ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله" كأن سمعت مثلاً قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾.
"والكلم الطيب": هو كلا إله إلا الله. "والعمل الصالح" يشمل كلّ عمل صالح يُتقرّب به إلى الله أي يعمله المسلم لأجل الأجر والثواب من الله كالصلاة والصدقة وصلة الأرحام. فمعنى : ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ أنّ كلّ ذلك في ذكر الله تعالى والأعمال الصالحة كالصلاة والصدقة وصلة الرحم يتقبّله الله. فليس معنى الآية: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾.أن الله له حيّز يتحيّز فيه يسكنه يعني ليس معناه أنّ الله في جهة فوق يسكن في السماء، تنَزّه الله عن ذلك.
من أراد أن يفسّر المتشابه في القرءان الكريم يجب أن يكون موافقًا للآيات المحكمات كتفسير الاستواء بالقهر في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾. أي نفسّر كلمة "استوى" هنا في هذه الآية بالقهر أي أنّ العرش وهو أكبر مخلوقات الله تعالى ولا أحد يعلم مساحة العرش إلا الله، حتّى الملائكة الذين يطوفون حول العرش لا يعلمون مساحة العرش فهو أكبر مخلوقات الله وهو مقهورٌ لله تعالى فكيف سائر المخلوقات هي أيضًا مقهورةٌ لله تعالى. فتفسير "استوى" بالقهر في هذه الآية يليق بالله. أمّا من فسّر "استوى" بجلس أو استقرّ فهذا شبّه الله تعالى بخلقه والعياذ بالله.
فلا يجوز ترك التأويل والحمل على الظاهر لأنه يلزم في ذلك ضرب القرءان بعضه ببعض ، وذلك لأنّ ظاهر قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ تحيّز الله تعالى في جهة فوق، وقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ﴾. ظاهره أنّ الله في أفق الأرض .
وقوله في حقّ إبراهيم: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ ظاهره أنّ الله ساكن فلسطين لأنّ إبراهيم كان متوجّهًا إلى فلسطين . فإن تركنا هذه الآيات على ظواهرها كان ذلك تناقضًا، ولا يجوز وقوع التناقض في القرءان، فوجب ترك الأخذ بظواهر هذه الآيات، والرجوع إلى ءاية: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، ولا نفسّر المتشابه من القرءان على هوانا، بل كن أخي المسلم مستحضرًا لقول الشافعيّ رضي الله عنه: "ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وءامنت بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله".
اللهمّ ثبتنا على العقيدة الحقّة واحفظنا من عقيدة التجسيم والتشبيه يا رب العالمين .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|