شرح قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}.و فيها الإشارة إلى قصة الذبيح إسماعيل
شرح قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}.و فيها الإشارة إلى قصة الذبيح إسماعيل
شرح قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}.و فيها الإشارة إلى قصة الذبيح إسماعيل
قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنّ المراد بالسعي هاهنا: العمل، قاله ابن عباس.
والثاني: أنّه المشي والمعنى: مشى مع أبيه، قاله قتادة: بلغ أن ينصرف معه ويعينه. قال ابن السائب عن سيدنا إسماعيل عليه السلام: كان ابن ثلاث عشرة سنة.
والثالث: أنّ المراد بالسعيّ: العبادة، قاله ابن زيد، فعلى هذا يكون قد بلغ.
قوله تعالى إخبارا عن إبراهيم: { إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} أكثر العلماء على أنه لم ير أنه ذبحه في المنام، وإنما المعنى أنه أمر في المنام بذبحه، ويدل عليه قوله: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}.
وذهب بعضهم إلى أنه رأى أنه يعالج ذبحه، ولم يرَ إراقة الدم.
قال قتادة: ورؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئا فعلوه، قيل: (وذكر السُّدي عن أشياخه أنه لمّا بشّر جبريل سارة بالولد، قال إبراهيم: هو إذا لله ذبيح، فلما فرغ من بنيان البيت، أتي في المنام، فقيل له: أوْفِ بنذرك) هذا غير صحيح.
واختلفوا في الذبيح على قولين: أحدهما: إنه إسحق قاله عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، والعباس ابن عبد المطلب، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأنس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبيد بن عمير، والقاسم ابن أبي بزّة، ومقاتل بن سليمان، واختاره ابن جرير.
وهؤلاء يقولون: كانت هذه القصة بالشام.
وقيل: طويت له الأرض حتى حمله إلى المنحر بمنى في ساعة.
والثاني : إنه إسماعيل، قاله ابن عمر، وعبد الله بن سلام، والحسن البصري وسعيد بن المسيب، والشعبي، ومجاهد، ويوسف بن مهران، وأبو صالح ومحمد بن كعب القركي، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن سابط.
واختلفت الرواية عن ابن عباس، فروى عنه عكرمة أنه إسحق، وروى عنه عطاء ومجاهد، والشعبي، وأبو الجوزاء، ويوسف بن مهران أنه إسماعيل، وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين - وعن سعيد بن جبير، وعكرمة، والزهري، وقتادة، السديّ روايتان، وكذلك عن أحمد رضي الله عنه روايتان، ولكل قوم حجة ليس هذا موضعها، وأصحابنا ينصرون القول الأول والراجح القول الثاني.
الإشارة إلى قصة الذبح:
ذكر أهل العلم بالسّير والتفسير أنّ إبراهيم لمّا أراد ذبح ولده، قال له: إنطلق فنقّرب قربانا إلى الله عزّ وجل، فأخذ سكينا وحبلا، ثم انطلق حتى إذ ذهبا بين الجبال، قال له الغلام: يا أبت أين قربانك؟ قال: يا بني إني رأيت في المنام أني أذبحك، فقال له: أشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عنّي ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع علي مرّ السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي، فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، فأقبل عليه إبراهيم يقبّله يبكي ويقول: نعم العون أنت يا بنيّ على أمر الله عز وجل ثم إنه أمرّ السكين على حلقه فلم يحك شيئا، وقال مجاهد لمّا أمرّها على حلقه انقلبت فقال مالك قال إنقلبت قال إطعن بها طعنا، وقال السدّي: ضرب الله على حلقه صفيحة من نحاس، وهذا لا يحتاج إليهن بل منعها بالقدرة أبلغ.
قالوا: فلما طعن بها نبت، وعلم الله منهما الصدق في التسليم، فنودي: يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا، هذا فداء ابنك، فنظر إبراهيم، فإذا جبريل معه كبش أملح.
قوله تعالى: {فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} لم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله عزّ وجل، ولكن أراد أن ينظر ما عنده من الرأي.
وقرأ حمزة، والكسائي وخلف "ماذا تُرِي" بضم التاء وكسر الراء، وفيها قولان أحدهما: ماذا تريني من صبرك أو جزعك، قاله الفراء، والثاني: ماذا تبين ؟ قال الزجاج: وقال غيره: ماذا تشير؟
قوله تعالى: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}. قال ابن عباس افعل ما أوحي إليك من ذبحي {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} على البلاء.
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا}: أي استسلما لأمر الله عزّ وجل فأطاعا ورضيا، وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والأعمش وابن أبي عبلة: {فلما سلّما} بتشديد اللام من غير همز قبل السين، والمعنى: سلّما لأمر الله عزّ وجل.
وفي جواب قوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} قولان.
أحدهما: أن جوابه: "وناديناه" والواو زائدة، قاله الفراء.
والثاني: أنّ الجواب محذوف لأنّ في الكلام دليلا عليه، والمعنى: فلمّا فعل ذلك سعد وأجزل ثوابه، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي صرعه على جبينه فصار أحد جبينيه على الأرض، وهما جبينان، والجبهة بينهما، وهي ما أصاب الأرض في السجود، والناس لا يكادون يفرقون بين الجبين والجبهة، فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه ندب السجود، والجبينان يكتنفانها من كل جانب جبين.
قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ} قال المفسرون: نودي من الجبل، أي ناداه الملك بأمر الله من جهة الجبل.
{ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} وفيه قولان: أحدهما: قد عملت ما أمرت وذلك أنه قصد الذبح بما أمكنه وطاوعه الإبن بالتمكين من الذبح إلاّ أنّ الله عزّ وجل صرف ذلك كما شاء فصار كأنه قد ذبح وإن لم يتحقق الذبح، والثاني: أنه رأى في المنام معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم فلما فعل في اليقظة ما رأى في المنام قيل له: "قد صدقت الرؤيا".
وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو عمران والحجدري: "قد صدقت الرؤيا" بتخفيف الدال، وها هنا تمّ الكلام، ثم قال تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ} أي كما ذكرنا من العفو من ذبح ولده {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. الآية.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَالْبَلَاء الْمُبِينُ}.
في ذلك قولان. أحدهما: النعمة البيّنة قاله ابن السائب ومقاتل. والثاني الإختبار العظيم قاله ابن زيد "هو الله عالم في الأزل أنّ إبراهيم يمتثل الأمر وإسماعيل يمتثل، لكن الله أراد أن يظهر صبرهما للخلق".
فعلى الأول: يكون قوله هذا إشارة إلى العفو عن الذبح.
وعلى الثاني: يكون إشارة إلى امتحانه بذبح ولده.
قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ}. يعني الذبيح {بِذِبْحٍ} وهو بكسر الذال المعجمة، إسم ما ذبح بفتح الذال مصدر ذبحت، قاله ابن قتيبة:
ومعنى الآية: خلصناه من الذبح بأن جعلنا الذبح فداء له، وفي هذا الذبح ثلاثة أقوال.
أحدهما: أنه كان كبشا أقرن، قد رعى في الجنة قبل ذلك أربعين عاما قاله ابن عباس في رواية مجاهد، وقال في رواية سعيد بن جبير هو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتقبل منه كان في الجنة حتى فدي به.
والشىء الذي يخرج من الجنة يتغير لا يبقى على صفته.
والثاني: أنّ إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين، رواه أبو الطفيل عن ابن عباس.
والثالث: أنه ما فدي إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير قاله الحسن.
وفي معنى عظيم: أربعة أقوال:
أحدها: لأنه كان قد رعى في الجنّة. قاله ابن عباس وابن جبير.
والثاني: لأنه ذبح على دين إبراهيم وسنّته قاله الحسن.
والثالث: "لأنه متقبّل". قاله مجاهد. وقال أبو سليمان الدمشقي لمّا قربّه ابن آدم رفع حيّا فرعى في الجنة ثم جعل فداء الذبيح فقبل مرتين.
والرابع: لأنه عظيم الشخص والبركة ذكره الماوردي. "ثم اتبعوها بحكم الأضاحي وأنها سنة مؤكدة بما لإجماع. وواجبة عند بعض العلماء من التابعين. سنة الأضحية تشمل من كان في مكة للحج ومن كان في سائر بلاد الدنيا".
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|