|
الفصل السابع يدعي الألباني أنه لا يجوز الزيادة في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
ومن بدع هذا الألباني التي شوش بها على المسلمين حكمه على أفعال أحدثها العلماء
الأخيار من السلف والخلف, وهي موافقة لكتاب الله وسنة رسوله غير مخالفة وهي داخلة
تحت قوله صلى الله عليه وسلم:{ من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل
بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه
وزرها ووزر من عمِل بها من بعده, من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}, رواه مسلم (2),
وللحديث الصحيح الموقوف وهو قول عبد الله بن مسعود:{ ما رءاه المسلمون حسنا فهو
عند الله حسن, وما رءاه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح}. حسنه الحافظ ابن حجر
في الأمالي (3) وذلك مثل عمل المولد في شهر ربيع الأول, واستعمال السبحة للذكر,
والطرق التي أحدثها العلماء الأولياء الأبرار كالطريقة القادرية والطريقة
الرفاعية, وصيغة التلبية التي أحدثها عمر رضي الله عنه, كانت تلبية رسول الله:{
لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك},
فأحدث عمر:{ لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخيرُ في يديك, لبيك والرغباءُ إليك
والعمل}, وزاد ابن عمر في التشهد:{ وحده لا شريك له}, قال:{ أنا زدتها}.
أما تلبية عمر التي زادها على تلبية الرسول فقد رواه مسلم (4), أما زيادة ابن عمر
في تشهد الصلاة:{ وحده لا شريك له}, فأخرجها أبو داود (5).
وكذلك أحدث السلف من التابعين التعريف أي الاجتماع يوم عرَفة للذكر والدعاء تشبها
بالحجاج الذين يذكرون ويدعون الله في عرفات ومنهم الحسن البصري رضي الله عنه رواه
جمع من علماء الحفاظ منهم النووي.
وأحدث العلماء من السلف كتابة " صلى الله عليه وسلم" عند كتابة اسم محمد وكُتُب
الرسول التي أملاها على الصحابة التي كتبها إلى الملوك ليدعوهم إلى الإسلام كهرقل
خالية عن ذلك فلم يملِ الرسول عليهم إلا اسمه, ففي صحيح البخاري صورة كتابة
رسالته صلى الله عليه وسلم ولفظه:{ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله
ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية
الإسلام أسلم تسلم} الحديث (6), وهذه الكتابة سنة حسنة أحدثها العلماء مما لم
يفعله الرسول وقبلها أهل السنة وغيرهم حتى المشبهة جماعة الألباني في مؤلفاتهم عند
كتابة اسم الرسول يكتبون صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك ما ذكره المحدثون في كتب
اصطلاح الحديث أن يبدأ مجلس الحديث بقراءة شيء من القرءان والحمد لله والصلاة
والسلام على النبي ثم يقول المستملي للمملي:{ من ذكرتَ رحمك الله}, وهذا لم يكن في
عهد الرسول ولا فيما بعده إلى زمان طويل, فالعجب, من هذا الرجل وجماعته الوهابية
حيث ينكرون بعض ما أحدثه علماء الإسلام مما ذكرنا ونحوه محتجين بأن الرسول لم
يفعله وهم موافقون في بعض ذلك, بل يفعلونه ويحرمون على الناس بعضا تحكما بلا دليل,
فإن كان عندهم كل ما لم يفعله الرسول ولا رغب في فعله حراما فليحرموا هذا أي كتابة
صلى الله عليه وسلم عقب كتابة اسم محمد , وليحرموا أيضا تلبية عمر التي لم ينكرها
عليه أحد من الصحابة وغيرهم, وليحرموا على عبد الله بن عمر قوله:{ وأنا زدتها}, أي
كلمة " وحده لا شريك له", وليحرموا على المحدثين ما استحسنوه لمجلس إملاء الحديث
ما سبق ذكره آنفا.
ومن قبيل ما ذكر مما يحرمونه على المسلمين بدعوى أن الرسول لم يفعله الجهر بالصلاة
على النبي عقب الأذان مع أنه لا يخالف الشرع وإن لم ينقل عن مؤذني الرسول أنهم
كانوا يجهرون بذلك فأي بأس في الجهر بالصلاة عليه عقب الأذان بعد قوله عليه الصلاة
والسلام:{ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ} رواه مسلم (7), وقوله
عليه السلام:{ من ذكرت عنده فليصل عليّ}, رواه الحافظ السخاوي وحسن اسناده (8),
فقوله:{ من ذكرت عنده فليصل عليّ} يشمل المؤذن وغيره من كل ذاكر اسم الرسول ،
مطلوب من الكل الصلاة عليه إما سرا وإما جهرا لأن قوله:{ فليصل عليّ}, مطلق يشمل
الصلاة عليه سرا والصلاة عليه جهرا. فعند فرقة هذا الرجل الوهابية حرام حتى غلا
بعضهم في ذلك فقال في الذي صلى على النبي عقب الأذان جهرا:{ هذا مثل الذي ينكح
أمه}. – والعياذ بالله -.
و نقل الشيخ أحمد بن زيني دحلان رحمه الله عن زعيم الوهابية محمد بن عبد الوهاب أنه
أتي برجل مؤذن أعمى صلى على النبي عقب الأذان جهرًا فأمر بقتله فقتل و هذه الحادثة
التي قال فيها الوهابية للذي صلى على النبي جهرًا عقب الأذان هذا مثل الذي ينكح
أمه يعرفها الرجال الكبار من محلة أهل جامع الدقاق بدمشق من محلة الميدان، فما
دعوى هؤلاء الفرقة الإسلام و هم ساووا بين من يصلي على النبي جهرًا عقب الأذان و
بين الزنى بالأم؟!.
هذا و قد جرى عمل السلف و الخلف من أهل السنة على التبرك بقبور الأنبياء و الصالحين
و كان ذلك عادة الفقهاء و الحفاظ و المحدثين و الزهاد، و تشهد بذلك كتب التواريخ و
طبقات الفقهاء و طبقات المحدثين و طبقات الصوفية الزهاد، و من طالع طبقات الحفاظ
يجد الكثير الكثير من ذلك و أقدمُ السلف في ذلك الصحابي أبو أيوب الأنصاري رضي
الله عنه فقد ثبت أنه وضع وجهه على قبر الرسول رواه الحاكم و صححه ووافقه الذهبي.
تنبيه: قد يقول بعض هؤلاء أن حديث مسلم:" من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و
أجر من عمل بها بعده" خاص بإحياء سنة فعلها الرسول لأن سبب الحديث أن أناسًا
مجتابي النّمار من شدة البؤس فرقوا أوساط نمارهم فأدخلوها على رءوسهم فتغير وجه
رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأمر الرسول بالتصدق فجمع لهم فسر رسول الله صلى
الله عليه و سلم فقال هذا الحديث، فلا تدخل تحته هذه الأشياء من عمل المولد و
الطريقة و أشباهها. فيقال لهم: دعواكم هذه باطلة مخالفة للقاعدة الأصولية:" العبرة
بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" فلو كان الأمر كما تقولون لانسد باب القياس، لأن
القياس إلحاق ما لم ينص عليه بما نص عليه لشبه بينهما و على هذا يدور عمل الأئمة
المجتهدين.
ألست يا ألباني تقول في من عمل المولد: (و طرق أهل الله من قادرية و رفاعية و
غيرهما و جهر المؤذن بالصلاة على النبي عقب الأذان إنها بدعة ضلالة) و تحتج في ذلك
بالحديث المشهور:" و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة"
رواه أبو داود (9) و تنكر عموم حديث:" من سنة في الإسلام سنة حسنة" و تقول إن هذا
الحديث مخصوص بإحياء ما فعله الرسول و تنكر عمومه
لكل ما أحدث من غير أن يكون مخالفًا للكتاب و السنة، و تدعي بلسان حالك أنك محدث
العصر و أنت في الحقيقة ضدهم تنقض ما صححوه و تصحح ما ضعفوه، و قد كفرت في فتاويك
من يأول قوله تعالى:{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88)}: " إلا ملكه"، و
قد علمت أن البخاري قال ذلك و هو موجود في كل نسخة فلما قلت في فتاويك:" لا يقول
ذلك مؤمن" كفرت البخاري، و لن تجد أنت نسخة من البخاري ليس فيها ذلك. فقولك:" لا
يقول هذا البخاري" حيلة أردت أن تدفع بها ظاهرًا أن يثور الناس عليك لو قلت "
البخاري قال هذا فهو كافر" و لن تستطيع أن تأتي بنسخة من البخاري تخلو عن هذا
التأويل، إنما أردت أن تدافع عن عقيدتك عقيدة التجسيم إثبات الجسمية و ما يتبعها
لله تعالى و هذه العقيدة يهدمها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)}.
-------------------------------------
(1)- فتاوى الألباني (ص/318).
(2)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب الحث على الصدقة.
(3)- موافقة الخبر الخبر (2/435).
(4)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب التلبية و صفتها و وقتها.
(5)- سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب التشهد.
(6)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي.
(7)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصلاة: باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن
سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم.
(8)- انظر القول البديع (ص/ 103).
(9)- سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في لزوم السنة.
|
|