|
|||
الفصل الحادي عشر بيان شذوذ الألباني عن أهل السنة و الجماعة لقد سلك المدعو الألباني طريقًا شائكًا لنصرة معتقده و للفت الأنظار إليه و التمويه على العوام فتهجم على أهل السنة و الجماعة و رماهم بالكفر، فقد ذكر (شريط بصوته يوزع في مدينة فاس و غيرها) أن الأشاعرة اليوم كلهم كفار و أغلب الماتريدية إن لم يكونوا كلهم، و من راجع فتاويه وجد الطعن في أكثر من موضع بالأشاعرة و الماتريدية. فنسأل الألباني: هل تعرف الفرق بين الأشاعرة و الماتريدية من جهة و بين المعتزلة من جهة أخرى؟ ألم تسمع أن الحافظ ابن عساكر أخرج في كتاب " تبيين كذب المفتري" و الحاكم في " المستدرك" أنه لما نزل قول الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [ سورة المائدة ] أشار النبي إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:" هم قوم هذا". قال القشيري: فأتباع أبي الحسن الأشعري من قومه لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع، قاله القرطبي (1) و قال الحافظ البيهقي: و ذلك لما وجد فيه من الفضيلة الجليلة و المرتبة الشريفة للإمام ابي الحسن الأشعري رضي الله عنه فهو من قوم أبي موسى و أولاده الذين أوتوا العلم و رزقوا الفهم مخصوصًا من بينهم لتقوية السنة و قمع البدعة بإظهار الحجة و رد الشُّبَه، ذكره ابن عساكر (2). و روى البخاري (3) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال عن أبي موسى الأشعري و قومه:" هم مني و أنا منهم "، و نحن نحمد الله تعالى على هذه العقيدة السُّنية التي نحن عليها و النبي كان عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و من تبعهم بإحسان و التي مدح الرسول صلى الله عليه و سلم معتنقها، فقد روى الإمام أحمد و الحاكم (4) بسند صحيح:" لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها و لنعم الجيش ذلك الجيش "، و لقد فتحت القسطنطينية بعد ثمانمائة عام فتحها السلطان محمد الفاتح رحمه الله، و كان سنيًّا ماتريديًّا أشعريًّا يعتقد أن الله موجود بلا مكان و يحب الصوفية الصادقين و يتوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم و بالأولياء و كان له شيخ صوفي من المحققين بالتصوف كان يتوجه بإشاراته، و جيشه شمله تزكية الرسول لهم و كانوا كذلك أشاعرة ماتريدية، و على هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا و خلفًا في الشرق و الغرب تدريسًا و تعليمًا و يشهد بذلك الواقع المشاهد، و يكفي لبيان حقيَّة هذا كون الصحابة و التابعين و من تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان هؤلاء الحفاظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثم الحافظ العلم المشهور أبو بكر البيهقي، ثم الحافظ الذي وصف بأنه أفضل المحدثين بالشام في زمانه ابن عساكر، كان كل واحد من هؤلاء عَلَمًا في الحديث في زمانه، ثم جاء من هو على منهجهم الحافظ الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن حجر العسقلاني، فمن حقق عرف أن الأشاعرة فرسان ميادين العلم و الحديث و فرسان ميادين الجهاد. و يكفي أن منهم مجدد القرن الرابع الهجري الإمام أبا الطيب سهل بن محمد، و أبا الحسن الباهلي، و ابا بكر بن فورك و هو أحد شيوخ البيهقي في الحديث، و أبا بكر الباقلاني، و أبا اسحق الإسفراييني، و الحافظ أبا نعيم الصبهاني، و القاضي عبد الوهاب المالكي، و الشيخ أبا محمد الجويني، و ابنه أبا المعالي إمام الحرمين، و الحافظ الدارقطني، و الحافظ الخطيب البغدادي، و الأستاذ العالم المحدّث أبا القاسم القشيري، و ابنه أبا نصر، و الشيخ أبا إسحق الشيرازي، و نصرًا المقدسي، و الغزالي، و الفراوي، و أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي، و الحافظ الفقيه الحنفي عبد الرزاق الطُّبْسي، و قاضي القضاة الدامغاني الحنفي، و ابا الوليد الباجي المالكي، و ابن الدبيثي، و الإمام المحدث المفسّر الفقيه الصوفي عَلَم الزهاد السيد أحمد الرفاعي، و الحافظ ابن السمعاني، و الحافظ القاضي عياضًا، و الحافظ السّلفي، و الحافظ الفقيه النووي، و الفقيه المفسّر الأصولي فخر الدين الرازي، و العز بن عبد السلام، و أبا عمرو بن الحاجب المالكي، و الحافظ ابن دقيق العيد، و علاء الدين الباجي، و الحافظ الفقيه اللغوي المجتهد علي بن عبد الكافي السبكي الذي قال فيه الذهبي: شيوخ العصر أحفظهم جميعًا و أخطبهم و أقضاهم عليُّ و الحافظ العلائي، و الحافظ زين الدين العراقي و ابنه الحافظ ولي الدين، و الشيخ زكريا النصاري، و ابن الملقن، و القاضي الجليل ابن فرحون المالكي، و أبا الفتح الشهرستاني، و الإمام أبا بكر الشاشي القفال، و ابا علي الدقاق النيسابوري، و الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، و خاتمة الحفاظ الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي، و من أهل القرن المنصرم الحافظ أحمد الغماري، و غيرهم من أئمة الدين كثير لا يحصيهم إلا الله و منهم الوزير المشهور نظام الملك و السلطان العادل العالم المجاهد صلاح الدين الأيوبي طارد الصليبيين من القدس رحمه الله فإنه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنائر قبل أذان الفجر، و أن تُعلَّم المنظومة في العقيدة الأشعرية التي ألفها له ابن هبة المكي للأطفال في الكتاتيب و منها هذان البيتان: و صانع العالم لا يحويه قطر تعالى الله عن تشبيه قد كان موجودًا و لا مكانا و حكمه الأن على ما كان و ليس مرادنا بما ذكرناه إحصاء الأشاعرة فمن يحصي عدد نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء؟ و مثلهم في العقيدة الحقة الماتريدية أتباع إمام أهل السنة أبي منصور الماتريدي رضي الله عنه. فالأشاعرة و الماتريدية هم أهل السنة و الجماعة الفرقة الناجية، و الفريقان متفقان في أصول العقيدة لا اختلاف بينهم و إنما اختلفوا في بعض الفروع التي لا تؤدي إلى التبديع و التضليل و قد حصل ذلك بين بعض الصحابة فإن عائشة و ابن مسعود كانا ينفيان رؤية الرسول صلى الله عليه و سلم لربه ليلة المعراج، و أنس و ابن عباس كانا يثبتان، و لم يمنع ذلك كون كلّ منهم على سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم. ففي الفريقين الأشاعرة و الماتريدية تحقق حديث رسول الله:" سألت ربي لأمتي أربعًا فأعطاني ثلاثًا و منعني واحدة، سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها" رواه الحافظ ابن أبي حاتم كما قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري (5)، فيستحيل أن يضلّ جمهور أمة محمد و إنما الضلال فيمن خالفهم كفرقتكم المشبهة، و بأي فضيلة يشهد لكم التاريخ يا مشبهة، أنتم الفرقة الذين قال الرسول فيهم:" يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان " و هو من جملة أحاديث البخاري (6)، و هذا الوصف هو الذي يشهد به التاريخ عليكم. و يكفي الأشاعرة فضلاً أن أغلب حفاظ الحديث هم أشاعرة، و يعلم ذلك من تتبع طبقات الحفاظ. ----------------------------------------- (1)- الجامع لأحكام القرءان (6/220). (2)- تبيين كذب المفتري (ص/50). (3)- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قدوم الأشعريين و أهل اليمن. (4) مسند أحمد (4/335)، المستدرك للحاكم (4/424). (5)- فتح الباري (8/293). (6)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى:{ و إلى عادٍ أخاهم هودًا (65)}.
|
|||||