الفصل الثاني عشر الألباني يدعو إلى هدم ءاثار الرسول و يمنع من قول " السلام
عليك أيها النبي " في الصلاة
يدعو الألباني(1) لهدم القبة الخضراء و إلى إخراج قبر النبي إلى خارج المسجد.
فهذا الكلام لا يصدر إلا من رجل قلبه ملىء بالضغينة و البغضاء على رسول الله، و
عقيدة التشبيه التي في صدره سودت قلبه حتى جعلته يقول ما يقول فيجهّل المسلمين
الذين يذهبون لزيارة قبره صلى الله عليه و سلم منذ قرون و يرون القبة الخضراء
مستحسنين لها على هذا الشكل، فمستحيل أن يسكت كل الذين مضوا في هذه القرون على
باطل و قد قال ابن مسعود رضي الله عنه:" ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن،
و ما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح"، و هذا و قد حسن الحافظ ابن حجر
إسناده (2)، فمن أين جاء الألباني بمثل هذا الكلام؟!
ثم هذا الرجل ينطبق عليه ما اتفق عليه العلماء و هو أن من قال قولا يؤدي إلى تضليل
المسلمين فهو كافر ذكر ذلك القاضي عياض و الحافظ محي الدين النووي و غيرهما، فهذا
الرجل تنطبق عليه هذه القاعدة فهو داخل تحتها لأنه ضلل المسلمين لأن وجود قبر
الرسول و صاحبيه على هذا الوضع أي كون القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد من جميع
جوانبها في أيام أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه،
فالألباني يكون ضلل هذا الخليفة الراشد و من جاء بعده من خلفاء المسلمين، فيكفيه
هذا كفرًا و خزيًا و ضلالاً فهو مرتد بلا شك و لا ريب، فكيف سوَّلت له نفسه أن
يكون أهل ألف و ثلاثمائة سنة من أمه محمد على ضلال و يكون هو المخالف لهم على هدى؟!
و قد سبق له أن طلب أيام الملك سعود أن يهدم هذا الوضع القائم و يجعل القبور
الثلاثة منفردة عن المسجد فلم يوافقه الملك سعود.
تكميل: لا يجوز تسمية الوهابية سلفية لأنهم ليسوا من السلف و لا من الخلف فكيف يصح
تسميتهم سلفية و هم ضلّلوا الأمة بتكفيرهم للمتوسلين بالأنبياء و الولياء بعد
موتهم أو في حياتهم في غير حضورهم، و كيف يجوز تسميتهم سلفية و هم ينكرون وضع
المسجد النبوي لوجود قبر الرسول و قبر أبي بكر و قبر عمر و هذا أمر رضيه المسلمون
سلفهم و خلفهم، فإن المسجد لما وسّع في زمن عمر بن عبد العزيز بحيث إن القبور
الثلاثة صارت مكتنفة بالمسجد و صار المسجد محيطًا بالقبور الثلاثة من الجهات
الأربعة، و بعض المتقدمين من الوهابية و المتأخرين يرون إزالة القبور الثلاثة من
أول المسجد إلى ءاخره من الجهتين و هم سمّوا أنفسهم سلفية لإيهام الناس أنهم مقتدون
بالسَّلف و هيهات هيهات، فكيف يسمون سلفية و هم يضللون الأمة لأن الأمّة متفقون
على استحسان الوضع القائم هناك منذ أيام عمر بن عبد العزيز إلى يومنا هذا لم ينكر
ذلك مسلم عالم أو عامّي.
و أما احتجاج بعض هذه الفرقة من الألباني و بعض من سبقه لإنكار وضع القبور الثلاثة
بعد التوسيع الذي صارت به القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد من جميع نواحيها بالحديث
المشهور (3):" لعن الله اليهود و النصارى اتخذورا قبور أنبيائهم مساجد " فلا يلتفت
إليه لأن القبور الثلاثة غير بارزة بل مستورة ضمن بيت الرسول الذي توفي فيه، فتبين
أنه لا ينكر الصلاة إلى القبر إذا كان القبر مستورًا غير بارز كما دلَّ على ذلك
قول عائشة راوية الحديث المذكور:" و لولا ذلك لأبرزوا قبره"، تعني أن النهي
المذكور لا يشمل من يصلي إلى قبرٍ مستور غير بارز، فلا كراهة في صلاة من يصلي خلف
القبور الثلاثة كما لا كراهة في صلاة من يصلي في الروضة و جزء المسجد الذي عن يسار
القبور الثلاثة و من يصلي أمام القبور الثلاثة، و لم ينكر ذلك أحد من المسلمين قبل
هذه الفرقة الشموشة، فقد ذكرت الحنابلة أن الصلاة إلى القبور مكروهة إذا كانت بلا
حائل لا تحرم أما إذا كان حائل لم تكره الصلاة، و الوهابية يدَّعون أنهم حنابلة و
ما أكثر ما يخالفون الإمام أحمد في الأصول و الفروع.
و كذلك حديث (4):" لا تصلوا إلى القبور " لا يدخل فيه من يصلي خلف القبور الثلاثة
من التوسعة، و في حديث الإسراء الذي رواه الصحابي المشهور شداد بن أوس أن جبريل في
أثناء سيرهما قال للرسول حين انتهيا إلى الطور: انزل هنا فصلّ فنزل فصلى، ثم لما
انتهيا إلى بيت لحم
حيث ولد عيسى عليه السلام قال له: انزل فصل، فهذا دليل على أن الصلاة في المواضع
المباركة مستحب شرعًا، و هذا الحديث رواه البيهقي و صححه (5). فلا يجوز الإنكار
على من يصلي وراء قبر غير بارز كما تظن هذه الفرقة، و مصيبة هذه الفرقة أنهم
يحملون النصوص الشرعية في غير مواضعها كما كانت الخوارج تفعل ذلك فإنهم حملوا قول
الله تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ (57)} [ سورة الأنعام ] على إنكار
موافقة عليّ على تحكيم الحكمين فأدى بهم جهلهم لمعنى القرءان إلى تكفير عليّ رضي
الله عنه، و أكثر استدلالات هذه الفرقة لآرائهم التي يخالفون بها الأمة ناشىء من
جهلهم بمعاني النصوص.
فالنصيحة الواجبة على المسلمين تقضي بالتحذير من هذا الرجل و من مؤلفاته و من
أتباعه الذين قلدوه في التجرىء على تصحيح الحديث و تضعيفه و هو و أتباعه الذين
قلدوه بعيدون من أهلية ذلك بعدَ الأرض من السماء فإنه ليس فيهم شخص واحد يحفظ عشرة
أحاديث باسانيدها، و إنما التصحيح و التضعيف حق أولئك الذين يحفظون الآلاف المؤلفة
من الأحاديث بأسانيدها و يعرفون أحوال
رجالها عن ظهر قلب، فقد جمع بعض الحفاظ لرواة حديث واحد مائةً و ثمانين طريقًا
متفرعةً عن الحسن البصري الذي هو تابعي الحديث، فهو و أتباعه بالنسبة إلى الحفاظ
الذين لهم حق التصحيح و التضعيف كنسبة سير النملة بالنسبة إلى سير الطير المسرع،
فليعرف هو و أتباعه أنفسهم حالهم و ليقصُروا عما هم عليه من التصحيح و التضعيف و
يرجعوا إلى كلام أهل التصحيح و التضعيف.
و من مستشنع أقواله الشاذة أنه ذكر أنه يقال في التشهد " السلام على النبي " (6)
بدل: " السلام عليك أيها النبي ".
الردّ: ألم يسمع الألباني أن سيدنا أبا بكر (7) و عمر بن الخطاب (8) و ابن الزبير
(9) و غيرهم كانوا يعلمون الناس على المنبر بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم
التشهدَ باللفظ المشهور الذي فيه: " السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته
" و لم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكيف يترك ما جاء عن هؤلاء الأكابر و يتبع قول
هذا الساعاتي المفلس من العلم ؟!
أليس المسلمون من زمن الصحابة إلى زماننا هذا يقولون هذه الصيغة؟! فكأن الألباني لا
يأخذ بقول هؤلاء الصحابة و لا يعجبه ما عليه المسلمون إلى زماننا هذا بل يعتبر ذلك
ضلالا.
------------------------------------------
(1)- انظر كتابه المسمى " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" (ص/68-69).
(2)- موافقة الخبر الخبر (2/435).
(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجنائز: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على
القبور.
(4)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس على القبر و الصلاة
عليه
(5)-دلائل النبوة (2/355).
(6)-ذكر ذلك في كتابه " صفة صلاة النبي " ( ص/143).
(7)- أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 264).
(8)- أخرجه البيهقي في سننه (2/142)، و مالك في الموطأ: كتاب الصلاة: باب التشهد
في الصلاة.
(9)- أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/264).
|