الفصل العشرون شذوذ الألباني في قوله الحق لا يتعدد
من دسائس الألباني قاعدة استحدثها يريد بها حصر الحق فيما يراه و إبطال ما سواه
و هي قوله:" الحق لا يتعدد"، يريد بها هذا، و هذه القاعدة غير صحيحة يبطلها ما
أخرجه مسلم (1) من حديث عليّ أنه قال:" جلد النبي صلى الله عليه و سلم – في الخمر
– أربعين و جلد أبو بكر أربعين و عمر ثمانين و كلٌّ سنَّة و هذا أحبُّ إليَّ يعني
جلد أربعين"، و قد حكم عليّ بأن كلا الأمرين حق، و حديث البخاري (2) أن الرسول صلى
الله عليه و سلم قال في غزوة:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فخاف بعضهم
أن تفوتهم العضر فصلوا قبلها و أخَّر الآخرون فلم يعنّف رسول الله صلى الله عليه و
سلم واحدًا من الفريقين.
ثم ماذا يقول الألباني في اختلاف الئمة المجتهدين من الصحابة كاختلاف أبي بكر مع
عليّ في حكم الجدّ مع الأخوة، فمع من الحق عند الألباني هل هو مع أبي بكر فيكون
اجتهاد عليّ باطلاً على زعمه أم العكس، و علماء الأمة يرون كلاًّ حقًّا.
و أيُّ باب من أبواب الأحكام الشرعية من ربع العبادات و ربع المعاملات و الربعين
الآخرين في الفقه الإسلامي لم يختلف الأئمة المجتهدون فيها على حسب ما يؤدي كلاًّ
اجتهاده إليه أنه صواب.
و هذا الاختلاف الذي بينهم لا يقال لأحد المختلفين في المسئلة قول فلان حق و قول
فلان باطل و لذلك لم يقبل أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي
الله عنه أن يجمع الناس على مذهب واحد يلتزموه دون غيره.
فعلى قولك يا ألباني على ما يُحمل اختلاف أبي بكر و اختلاف علي في مسئلة توريث
الأخوة مع الجد و عدم توريثهم، لإابو بكر رأى أن الأخوة لا يرثون مع الجد لأن الجد
في معنى الأب، و علي رأى تشريكه مع الأخوة في الإرث و لم ير أنه كالأب في هذه
المسئلة، فالمسلمون لا يختلفون في أن ما رءاه أبو بكر لا يُطلق عليه إنه باطل و لا
على مقابِلِهِ، و لا يجرأ أحد من المسلمين على قول إن ما قاله أحدهما حق و ما قاله
الآخر باطل إنما قال علماء الإسلام في ذلك و أمثاله أحد المجتهدين مصيب و الآخر
مخطىء، و قال بعضهم كلا المجتهدين مصيب، و هما قولان معروفان عند الصوليين و يرون
هذا الاختلاف بعد اتفاقهم في أصول العقيدة خطبًا يسيرًا.
ثم ماذا يقول اللباني فيما رواه مسلم (3):" بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب
بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود فقضى
للكبرى، فخرجتا على سليمانبن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين
أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى " اهـ، فهل
يقول إن حكم واحد من داود و سليمان باطل، فعلى قوله حكم أحد الحكمين باطل؟!.
ثم في الحديث:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران " دليل على إبطال ما ذهب إليه
الألباني فإن هذا الحديث صريح في أنه لال يقال لما اختلف فيه أئمة الهدى على وجه
معتبر في الاجتهاد إن احد المختلفين قوله حق و الآخر قوله باطل، و هذا الحديث كما
ذكر ابن المنذر و الخطابي محمول على المجتهد الذي استكمل شروط الاجتهاد و ليس على
كل من يوقل في العلم قولا مخالفًا غيره.
أخيرًا نقول للألباني : لم يسلم منك الفقهاء و لا المحدثون أما الفقهاء فقد قلت:"
لا يتعدد الحق " جعلتها قاعدة كليِّة و تريد بذلك أن تحصر الحق فيما وافق رأيك و
معنى ذلك أن ائمة الاجتهاد الأربعة و غيرهم إذا خالف اجتهاد أحدهم رأيك فهو باطل و
الذي وافق رأيك من أقوالهم فهو الحق، و أما أهل الحديث فقد خالفتهم في كثير من
المسائل منهم تحريمك قيام رمشان بأكثر من إحدى عشر ركعة و تحريم التوسل و
الاستغاثة بالرسول و غيره من الأنبياء و الصالحين و غير ذلك كثير نسأل الله
السلامة.
------------------------------------------------------------
(1)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحدود: باب حد الخمر.
(2)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الخوف: باب صلاة الطالب و المطلوب راكبا و
إيماء.
(3)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الأقضية: باب بيان اختلاف المجتهدين.
|