الفصل الحادي و العشرون الألباني يمنع سنة الجمعة القبلية قبل الجمعة و بعد الأذان بحجة أنها بدعة
الجواب: ذكر الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي أن الخلعي روى في فوائده
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم صلى قبل الجمعة
أربعًا و بعدها اربعًا و إسناده جيد كما ذكر الحافظ ولي الدين العراقي (1). و خالف
الألباني في هذه المسألة الأحاديث الصحيحة فمنع الصلاة قبل الجمعة بحجة أنها بدعة و
أنها خلاف السنة حيث قال (2):" و إن قصد الصلاة بين الأذان المشروع و الأذان
المحدث تلك التي يسمونها سنة الجمعة القبلية فلا أصل لها في السنة و لم يقل بها
أحد من الصحابة و الئمة " اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3):" فائدة: لم يذكر الرافعي في سنة الجمعة
التي قبلها حديثًا و اصح ما فيه ما رواه ابن ماجه عن داود بن رشيد عن حفص بن
غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة و عن أبي سفيان عن جابر قالا: جاء سُلَيْك
الغَطَفاني و رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فقال له:" أصليت ركعتين قبل أن
تجيء "؟ قال: لا، قال:" فصل ركعتين و تجَوَّز فيهما ". قال المجد بن تيمية في
المنتقى: قوله: " قبل أن تجيء" دليل على أنهما سنة الجمعة التي قبلها لا تحية
المسجد و تعقبه المزي بأن الصواب: أصليت ركعتين قبل أن تجلس؟ فَصحَّفه بعض الرواة،
و في ابن ماجه عن ابن عباس:" كان النبي صلى الله عليه و سلم يركع قبل الجمعة أربع
ركعات لا يفصل بينهن بشىء" و إسناده ضعيف جدًا، و في الباب عن ابن مسعود و علي في
الطبراني الأوسط". اهـ.
قال الحافظ ولي الدين العراقي عن الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله
عنه (4):" رواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح "اهـ، و قال عن حديث جابر الذي رواه
ابن ماجه أيضًا (5):" قال والدي – يعني الحافظ عبد الرحيم العراقي – رحمه الله في
شرح الترمذي: و إسناده صحيح" اهـ.
و قال الحافظ ابن حجر (6):" و ورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها
عن أبي هريرة رواه البزاربلفظ:" كان يصلي قبل الجمعة ركعتين و بعدها أربعًا"، و في
سنده ضعف" اهـ . ثم قال (7):" و عن ابن مسعود عند الطبراني أيضًا مثله و في إسناده
ضعف و انقطاع و رواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفًا و هو الصواب و روى ابن سعد
عن صفية زوج النبي صلى الله عليه و سلم موقوفًا نحو حديث أبي هريرة" اهـ.
أما حديث ابن مسعود الموقوف فقد رواه عبد الرزاق (8) في مصنفه عن معمر عن قتادة:"
أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات و بعدها أربع ركعات"
صححه الحافظ ابن حجر (9) و روى ابن أبي شيبة (10) أن ابن مسعود كان يصلي قبل
الجمعة أرعًا و أخرج عبد الرزاق (11) أيضًا أن ابن مسعود كان يأمر بأن يُصلى قبل
الجمعة أربعًا، قال الحافظ ابن حجر (12): " و رواته ثقات" اهـ.
و روى ابو داود و ابن حبان و غيرهما (13) عن نافع قال:" كان ابن عمر يطيل الصلاة
قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في بيته، و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
كان يفعل ذلك" و روى ابن سعد في الطبقات (14) عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن
صافية سمعها و هي تقول:" رأيت صفية بنت حيي صلت اربعًا قبل خروج الإمام و صلت
الجمعة مع الإمام ركعتين".
و روى ابن أبي شيبة (15) عن أبي مجلز أنه كان يصلي في بيته ركعتين يوم الجمعة و عن
عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يأتي المسجد يوم الجمعة حتى يصلي في بيته
ركعتين و عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يصلون قبلها أي الجمعة أربعًا.
و قد ورد عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين
و بعدها ركعتين و بعد المغرب ركعتين في بيته و بعد العشاء ركعتين و كان لا يصلي
بعد الجمعة حتى
ينصرف فيصلي ركعتين"... الحديث رواه البخاري في صحيحه تحت باب الصلاة بعد الجمعة و
قبلها قال الحافظ ابن حجر (16):" و لم يذكر شيئًا في الصلاة قبلها يعني الجمعة قال
ابن المنيِّر في الحاشية: كأنه يقول الأصل استواء الظهر و الجمعة حتى يدل دليل على
خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال: و كانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر و لذلك
قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد".اهـ، ثم قال:" و قال
ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها
قياسًا على الظهر انتهى، و قوَّاه الزين ابن المنير بأنه قصد التسوية بين الإمام و
المأمومفي الحكم و ذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء. انتهى، و الذي يظهر أن البخاري
أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب و هو ما رواه أبو داود و ابن حبان من طريق
أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في
بيته و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك اححتج به النووي في
الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها" اهـ.
قال الزيلعلي (17): " و لم يذكر الشيخ محيي الدين النووي في الباب غير حديث عبد
الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " بين كل أذانين صلاة " أخرجه
البخاري و مسلم (18) ذكره في كتاب الصلاة و ذكر أيضًا حديث نافع قال: كان ابن عمر
يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في بيته و يحدث أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم يفعل ذلك اهـ. قال: رواه أبو داود بسند على شرط البخاري انتهى، و سنة
الجمعة ذكرها صاحب الكتاب- في الاعتكاف- فقال: السنة قبل الجمعة أربع و بعدها أربع
و أشار إليها في إدراك الفريضة فقال: و لو أقيمت و هو في الظهر أو الجمعة فإنه
يقطع على رأس الركعتين و قيل: يتمها " اهـ.
قال الحافظ ابن حجر (19): " و اقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم
ما صححه ابن حبان (20) من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعًا:" ما من صلاة مفروضة
إلا و بين يديها ركعتان " و مثله (21) حديث عبد الله بن مغفل
الماضي في وقت المغرب:" بين كل أذانين صلاة " اهـ.
قال ابن العربي المالكي في شرح الترمذي (22):" و أما الصلاة قبلها يعني الجمعة فإنه
جائز " اهـ.
قال ابو عبد الرحمن شرف الحق العظيم ءابادي (23) ما نصه:" و الحديث- أي حديث ابن
عمر المتقدم- يدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة و لم يتمسك المانع من ذلك إلا
بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال و هو مع كون عمومه مخصصًا بيوم الجمعة ليس فيه
ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق و غاية ما فيه المنع في وقت
الزوال و هو غير محل النزاع و الحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عمومًا"، ثم
قال (24):" قلت: حديث ابن عمر الذي شرحه قال النووي في الخلاصة: صحيح على شرط
البخاري و قال العراقي في شرح الترمذي: إسناده صحيح لا جرم و اخرجه ابن حبان في
صحيحه" اهـ.
و يكفي في مشروعية ركعتين قبل الجمعة فعل الصحابي الجليل ابن مسعود و ابن عمر و أم
المؤمنين صفية بنت حيي
رضي الله عنهم و فعل أبي مجلز و هو لاحق بن حميد تابعي جليل و طاوس بن كيسان
اليماني أحد أكابر تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهم و من سادات التابعين و ثقاتهم و
إبراهيم بن يزيد النخعي و هو تابعي ثقة و مفتي أهل الكوفة في زمانه و إقرار سفيان
الثوري و ابن المبارك اللذين هما من أكابر العلماء العاملين و يكفي تصحيح الحافظ
الثقة الثبت الزين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني للحديث و غيرُه.
و في ختام ردنا نوجه كلمة لناصر اللباني نقول له فيها: لقد خالفت في هذا زعيمك
الحراني الذي تسميه شيخ الإسلام فقد أجاز صلاة النافلة قبل الجمعة فقال:" من فعل
ذلك ذلك لم يُنكر عليه"، كما نقل عنه صاحب الإنصاف" الحنبلي (25).
و لقد تبين من هذا الرد المختصر مشروعية صلاة النافلة قبل صلاة الجمعة من أقوال أهل
العلم و المعرفة و بهذا نكون قد فندنا قول الألباني:" إن سنة الجمعة القبلية لا
اصل لها في السنة الصحيحة و إنه لم يقل أحد من الأئمة بها بل هو أمر محدث".
و تبين بذلك التذبذب و الاختلاف بين الألباني و زعيمه الحرَّاني ابن تيمية.
----------------------------------------
(1)- طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).
(2)- انظر كتابه المسمى الأجوبة النافعة (ص/41).
(3)- تلخيص الحبير (2/74).
(4)- طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).
(5)- المرجع السابق.
(6)- فتح الباري (2/426).
(7)- المرجع السابق.
(8)- مصنف عبد الرزاق (3/247).
(9)- تلخيص الحبير (2/74).
(10)- مصنف ابن أبي شيبة (1/463).
(11)- مصنف عبد الرزاق (2/247).
(12)- الدراية في تخريج أحاديث الهداية (ص/ 218).
(13)- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب الصلاة بعد الجمعة، و ابن حبان في
صحيحه انظر الإحسان (4/84)، و ابن خزيمة في صحيحه (3/168)، و أحمد في مسنده
(2/103).
(14)- طبقات ابن سعد (8/491).
(15)- مصنف ابن أبي شيبة (1/463).
(16)- فتح الباري (2/426).
(17)- نصب الراية لأحاديث الهداية (2/207).
(18)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأذان: باب بين كل أذانين صلاة، و مسلم في
صحيحه: كتاب صلاة المسافرين و قصرها: باب بين كل أذانين صلاة.
(19)- فتح الباري(2/426).
(20)- أخرجه ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (4/77-78).
(21)- انظر الإحسان بترتيب ابن حبان (2/48-49، 7/523).
(22)- شرح الترمذي (2/312).
(23)- عون المعبود على سنن أبي داود (1/438).
(24)- عون المعبود على سنن أبي داود (1/439).
(25)- الإنصاف (2/406).
|