البوطي يزعم أن النبي ظن أن جبريل جنيّ في غار حراء
يقول البوطي في كتابه "من روائع القرءان" صحيفة 28 :"ولقد فوجىء عليه الصلاة والسلام بالملَك يخاطبه ويكلمه، ولقد ارتجف خوفًا منه وذهب في محاولة معرفته كل مذهب حتى ظن أنه قد يكون من الجان" انتهى.
الرد: ما كفى البوطي ما قاله في الإساءة لشرع الله غير مرة بادعاء الاجتهاد، ومرة بتفسير النصوص بطريقة مزاجية، وها هو يدعي الآن دعوى جديدة، وإننا نحن نتحداه أن يثبت نصًّا في أن النبي ظنَّ أن جبريل حين جاءه في الغار جنيّ، ولا ندري من أين أتى بمثل هذا الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأرجح أنه قاله من حديث لا أصل له وهو ما رواه أبو داود الطيالسي من طريق أبي عمران الجوني عن رجل عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وخديجة شهرًا بحراء فوافق ذلك رمضان فخرج رسول الله وسمع السلام عليكم قال: فظن أنه فجأةُ الجنّ فقال: أبشروا فإن السلام خير ...". الحديث. وفيه :"قال: فكلمني حتى أنستُ به" وهذا فيه غضّ من قدر الرسول وفيه ركاكة والركاكة من دلائل وضع الحديث.
ولا يقال إن هذا من باب فضائل الأعمال يُرى ويُعمل به بالضعيف لأن هذا ليس فيه نسبة فضيلة للرسول بل هذا خلاف تعظيم الرسول، أما إن قال هذا معتقدًا أن الرسول اعتقد أنه أوحي إليه أنّه نبي ثم اعتقد أن ما فاجأه هو جنيّ فهو تشكيك في الوحي وفتح باب للطاعنين في الإسلام، فمن ظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعد أن أُوحي إليه بأنه نبيّ حصل له شكّ في المَلَك الذي جاءه أنه جنيّ فهو طعن في الرسول صريح. ولا حجة لهذا التخيل الباطل فيما رواه البخاري عن عائشة من طريق الزهري من بلاغته فإن بعض الناس يفهمه فهمًا خاطئًا والحديث رواه البخاري في صحيحه ونصه :"حدّثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، وحدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر قال الزهري: فأخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حراءً فيتحنَّث فيه (وهو التعبّد) الليالي ذوات العدد ويتزوَّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوّده لمثلها حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاء الملك فيه فقال: اقرأ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطَّني حتى بلغ منّي الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء فغطّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال :{اقرأ باسم ربّك الذي خلق} حتى بلغ :{ما لم يعلم}، فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني، فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوع، فقال: يا خديجة ما لي، وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت على نفسي، فقالت له: كلاّ أبشر فوالله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرَّحم وتصدُقُ الحديث وتحمِل الكلَّ وتَقري الضيف وتعين على نوائب الحقّ. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل أسد بن عبد العُزّى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخو أبيها، وكان أمرأً تنصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربيَّ، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أُنزل على موسى، يا ليتني فيها جَذَعًا أكون حيًّا حين يخرجك قومُك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أومخرجيَّ هم؟" فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرك نصرًا موزّرًا". ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترةً حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدَّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا فيسكن لذلك جأشُه وتقرُّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك. قال ابن عباس: فالق الإصباح: ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل.
|