|
|||
مقدمة كتاب التبيان في الرد على من ذم علم الكلام بسم الله الرحمن الرحيم ونشهد أن محمداً عبده المجتبى ورسوله المرتضى بعثه الله بالنور الساطع والضياء
اللامع فبلَّغ عن الله عز وجل الرسالة، وأوضح فيما دعا إليه الدلالة فكان في اتّباع
سنته لزوم الهدى، وفى قبول ما أتى به وجود السنا فصلى الله عليه وعلى ءاله وصحبه النجباء. ، أي خلقهم ليأمرهم بعبادته، وكان
أول مـا دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عبادة الله تعالى وتوحيده وأن
لا يشرك به شىء، فلذلك كان علم التوحيد أجلّ العلوم وأولاها تحصيلاً، وكان اهتمام
علماء السلف والخلف- أي الذين جاؤوا بعد السلف- بهذا العلم كبيراً.، وكلا الفريقين
من السلف والخلف كانت بحوزتهم الأدلة العقلية للرد عنى المبتدعة المخالفين لأهل الحق،
واشتهر عن الخلف إبراز الدلائل النيرة والحجج الباهرة لإثبات وجوده تعالى وحدوث كل
ما سواه والذب عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور وخاضوا في البحث عن الجوهر والأعراض
وأحكامها، وسبب ذلك انتشار المبتدعة المنتسبين إلى الإسلام والفلاسفة والملاحدة من
غير المسلمين، فنشر هؤلاء المخالفون ءاراءهم الفاسدة التي لم تكن موجودة في عهد
الصحابة ومن جاء بعدهم بزمان وألقوها على مسامع المسلمين، فقام أهل الحق الذين عُرفوا
باسم علماء الكلام في رد تلك الشبه باستحداث اصطلاحات وطرق جديدة لمقارعة المخالفين
إما لكون المخالفين لا يأخذون بالقرءان كالفلاسفة والملاحدة، وإما لكونهم من أهل الأهواء
الذين اعتنقوا البدعة وصاروا ينافحون عنها بما زعموه أدلة عقلية، واستمر أهل الحق
في نصرة السنة بكلام مرتب يكشف عن تلبيسات أهل البدعة المحدثة على خلاف السنة المأثورة
حتى ظهر في النصف الثاني من القرن السابع الهجري رجل زعم أنه على مذهب الإمام أحمد
رضي الله عنه مع مخالفته له في الأصول والفروع، وقد تمكن هذا الرجل وهو ابن تيمية
من اجتلاب ثقة بعض شيوخ العلم إلى نفسه وثنائهم عليه، وكان طلق اللسان، فإذا هو يجري
على خطة مدبرة في إحلال المذهب الحشوي تحت ستار مذهب السلف محل مذهب أهل السنة، ولم
يعلم أن مذهب أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية بلغ من التمحيص العلمي على تعاقب
القرون بأيدي نوابغ أهل النظر والفقه في الدين ممن لا يعد هذا الحشوي- أي ابن تيميه-
من صغار تلامذتهم إلى مستوى من قوة الحجج بحيث إذا حاول مثله أن يصطدم بها لا يقع
إلا على أم رأسه، وكان له أتباع ينعقون ولا يعون، وخلفهم أتباع وهكذا إلى أن وصل النعيق
إلى رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب النجدي إمام الوهابية. الذي كان ابتداء ظهور أمره
في الشرق سنة 1143هـ، واشتهر أمره بعد 1170 هـ بنجد وقراها، وقد ظهر بدعوة ممزوجة بأفكار
منه زعم أنها من الكتاب والسنة ، وأخذ ببعض بدع ابن تيمية فأحياها وابتدع من عند نفسه
بدعا أخرى، وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما شاهدوا
أفعاله وسمعوا من أقواله التي خالف في الشرع، حتى قال فيه ابن عابدين الحنفي في ردّ
المحتار ما نصّه (1): "مطلب في أتباع ابن عبد الوهاب الخوارج في زماننا: قوله: "ويكفرون
أصحاب نبينا (صلّى الله عليه وسلّم)" علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو
بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، والا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من
خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في أتباع محمد بن عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلّبوا
على الحرمين، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من
خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنّة قتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم
وخرب بلادهم وظفر بهم عساكرالمسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف". ا.هـ.، وقال الشيخ أحمد الصاوي المالكي ما نصه (1): "وقيل هذه الآية- يعني قوله
تعالى ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ
السَّعِيرِ{6} ) سورة فاطر- نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة
ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم كما هو مشاهد الآن في نظائرهم وهم فرقة بأرض
الحجاز يقال لهم الوهابية يحسبون أنهم على شئ ألا- إنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم
الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، نسأل
الله الكريم أن يقطع دابرهم" انتهى كلام الصاوي. (1) (أنظر كتابه" رد المحتار على الدر المختار"(4/262)
كتاب البغاة ) |
||