ذكر سند القوم وخرقتهم
ومما يناسب ذكره في سند
القوم وخرقتهم ما نقلناه من كتاب "العقيدة الحقة" ونذكره في هذا الفصل لما فيه من
البيان والوضوح في إثبات صحة انتماء هذه الطائفة الصوفية الشريفة، ووقوع الاجماع على
قبول طريقتهم، وفيه مباحث جليلة وجمل جميلة: (بتصرف)
يقول مؤلف العقيدة الحقة:
لا يخفى على ذوي الأفهام من الأمراء والحكام والعلماء الأعلام بل والخواص أن الأمة
أجمعت على قبول طريق الإمام الجنيد بن محمد البغدادي القواريري شيخ الصوفية ورأس
الجماعة فأرشدوا الى تقليده في الطريق.
قال العلامة الشيخ عبدالسلام اللقاني في شرح المنظومة المسماة بـ (إرشاد المريد)
الذي ضمنه مختار أهل السنة مالك بن أنس وباقي الأئمة المعهودين، يعني أئمة
المسلمين كأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، وأبي
عبد الله أحمد بن حنبل، ثم قال: مثل من ذكر في الهداية واستقامة الطريق أبو القاسم
بن محمد الجنيد الزاهد سيد الصوفية علما وعملا وكان على مذهب أبي ثور صاحب
الشافعي رضي الله عنه وكذا أصحابه، هداة هذه الأمة التي هي خير الأمم خيارها بعد الصحابة
ومن معهم.
ومن المعلوم أن المتّبع في الأصول إنما هو المعصوم صلى الله عليه وسلم وهؤلاء
الأئمة رضي الله تعالى عنهم جاؤوا فقرروا أحكام الشريعة ودلوا الأمة على طريق
النبي عليه الصلاة والسلام فأجمعت الأمة على الأخذ بمذاهبهم والاقتداء بهم ومنهم
سيد الطائفة الصوفية الجنيد أبو القاسم رضي الله عنه وسند خرقته ينتهي من طريق الإمام
الحسن البصري إلى الإمام أمير المؤمنين سيدنا علي المرتضى رضي الله عنه وكرّم وجهه
فهل لو كان منقطع السند أو هل لو كانت أذكاره وفروع طريقته المباركة لا أصل لها
في الدين يمكن أن يحصل الاجماع على قبول طريقته، وقد نرى أن طرق الصوفية رضي الله
عنهم تنتهي أسانيدها بالوثائق التي لا تقبل النزاع اليه رضي الله عنه.
والذي عرف يعلم أن طريق القوم العمل بالكتاب والسنة ظاهرا وباطنا، وأما من يظن أن
التصوف غير ذلك فأنكره فقد انصرف مع بوائق الزيغ والابتداع وجحد حقوق أناس طهرت
سرائرهم، وأضاءت بنور الهدي المحمدي بصائرهم، هجروا المألوفات، وأقبلوا على الله
بخالص النيات، وانطوى في مشربهم حال النبي صلى الله عليه وسلم وأدبه وخلُقه
ومشربه أولئك أهل الصفوة الأولى من عاداهم فقد عادى الله وباء بخزي من الله، كيف
لا وهم أهل الله عليهم رضوان الله، وليتدبر كيف قال تعالى في أهل العمى القلبي
والبعد الكلي {
مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا
كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(51)}
[سورة الكهف].
فاذا لمع نور الايمان في القلب اندفعت ظلمات الشكوك وانمحق سوء الظن من الخاطر
بالخلق، ووقف النظر عن السقوط إلى ما يشين الخُلق، وانصرف إلى ما يستحسن إلا إذا
قامت الحجة القاطعة الحقة فلا محيص عن الحق وهناك أيضا فأساليب الشرع الشريف
معلومة يعرفها العارفون ويجهلها الجاهلون ويحيد عنها حقدا الضالون، ومن هذا
التفصيل علمنا أن طرق الشرع مع اختلاف جهاتها فالغاية منها واحدة فمن فرق كلمة
المسلمين بجهله أو حاد بهم عن الطريق بكفره وضلاله فهو من المغضوب عليهم الضالين
ولا عدوان إلا على الظالمين، وقد وقع الاجماع على ترجيح تقليد الجنيد في مذهب
التصوف كباقي الأئمة رجال المذاهب رضي الله عنهم أجمعين حتى
ابن تيمية على ما فيه
من الكفر والزيغ والمخالفة للقوم قال عن الجنيد: "إنه إمام هدى" قاله في شرح حديث
النزول، وهذا التقليد لا شك هو في فروع المعارف الروحية والمعاني الذوقية وطرقها
وأساليبها وعادات أهلها في رياضاتهم وأعمالهم وأحوالهم والا ففي أصول تلك الحقائق
فالمُتّبع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث رجح رجال الإجماع أهل الحل
والعقد أعيان العلماء والصلحاء تقليد الإمام الجنيد في فروع مذهبه الروحي فقد صححوا
قبولا واجماعا سند خرقته وقالوا باتباعه وأخذ هذا السند عنه كما وقع ولم يستثن ذلك
مستثن قط وإن تكلم في ذلك الكثير من المتأخرين ومن رجال أواسط القرون الماضية
فذلك لا ينافي صحة سنده بعد الاجماع على قبول طريقته في الأول والآخر والباطن والظاهر،
وقد انتظم بسلكه العالي الأعاظم من العلماء والمحدثين والجم الغفير من أكابر رجال
الدين ورجال الطريق، وقد لبس الخرقة من خاله الامام السري السقطي وهو من الشيخ الكبير
معروف الكرخي وهو من الشيخ داوود الطائي وهو من الشيخ حبيب العجمي وهو من الامام
الحسن البصري وهو من أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه.
وهنا نزاع البعض وهو نزاع زائد وسيأتي الكلام عليه، وهناك طريق ءاخر وهو أن الشيخ
معروفا الكرخي لبس الخرقة من الامام علي الرضا وهو من أبيه الامام موسى الكاظم
وهو من أبيه الامام جعفر الصادق وهو من أبيه الامام محمد الباقر وهو من أبيه
الامام زين العابدين
علي وهو من أبيه الامام الحسين شهيد كربلاء وهو من أبيه أمير المؤمنين سيدنا
الامام علي المرتضى عليهم جميعا رضوان الله تعالى وتحياته وسلامه وهذا السند لا
نزاع فيه فليتدبر وإن لم يكن القائلون بصحة أخذ الامام الحسن البصري عن الإمام
علي رضي الله عنه إلا رجال هذا السند لكفى فانهم لم يختلف بجلالة قدرهم وصدقهم
وعلو منزلتهم في العلم والعمل اثنان، مع ما يشهد لصحة أخذ الامام الحسن البصري
طيب الله مرقده الشريف عن سيدنا أمير المؤمنين علي المرتضى كرم الله وجهه ورضي الله
عنه من البراهين الساطعة التي لا تدافع فما ثم هنالك الا نافية بلا حجة فكيف تدفع
مثبتة أيّدتها الحجة القاطعة كلا لا يكون ذلك مطلقا اذ الحق أحق أن يُتّبع.
قال الامام العلامة الشيخ ضياء الدين أحمد الوتري الشافعي البغدادي قدس الله سره
وروحه في كتابه (روضة الناظرين) ما نصه: ان خرقة الصوفية رضي الله عنهم تتصل
بالخليفة الرابع أسد الملاحم والمعامع، شيخ أئمة الآل، فحل الرجال، صهر رسول
الثقلين والد الريحانتين، إمام المشارق والمغارب، أمير المؤمنين أسد الله سيدنا علي
بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه وقد ندر اتصال خرقة بغيره وكلهم
على هدى يتصلون بسيد المخلوقين حبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم، ولا يلتفت
لما يقوله البعض في شأن خرقة الصوفية إن ذلك قد نشأ عن هفوات لا تعتبر ولا يبنى
عليها الشك بعد اليقين بصحة الخبر قلت: وقد نقل الوتري عن الإمام التقي الواسطي
طاب ثراهما أنه قال: خرقة القوم أهل الطريقة الواصلين بعرفانهم إلى الحقيقة تتصل
بالأسانيد المرضية إلى سيد البرية صلى الله عليه وسلم لا يقدح باتصالها إلا
الحاسد أو المكابر المعاند فانهم أخذوها عن الثقات الأئمة المقتدى بهم في هذه
الأمة الذين اشتهر صدقهم وصلاحهم وظهر في الأكوان مجدهم وفلاحهم وبلغ ذلك بين
هؤلاء السادات مبلغ التواتر القطعي الذي لا يمتري فيه عالم ولا يحمحم به عاقل من
العناد سالم تلقاها خلفهم الناجح عن سلفهم الصالح انتهى، وقال الوتري قدس سره: إنّ
شيخ أهل الخرقة على الحقيقة هو الإمام العارف مقتدى أئمة الطوائف وارث السر وناصر
الشرع النبوي الإمام الكبير أبو سعيد سيدنا الحسن البصري رضي الله عنه لبس الخرقة
من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه، قال سفيان الثوري رضي
الله عنه: فالحسن البصري أجلّ أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام انتهى. ثم قال
الوتري رحمه الله تعالى في الحسن البصري: شاعت علومه وكراماته في أقطار الدنيا
كان ليلة قتل علي كرم الله وجهه يصلي خلفه، وهو رأس الفقهاء بعد العبادلة رضي
الله عنهم. وقال أيضا: حدث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن الحسن
الخلق الحسن" ضعيف جدا، ثم قال: مكان الحسن البصري يستثنى من كل غاية فيقال
فلان أزهد الناس الا الحسن وأفقه الناس الا الحسن وأفصح الناس الا الحسن، شهد
مقتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن أربع عشرة سنة وشب في كنف علي بن أبي طالب رضي
الله عنه انتهى.
وقال الإمام العلامة الشيخ علي برهان الدين القاهري الحلبي صاحب كتاب السيرة في
كتابه النصيحة في بيان حسن الطريقة الأحمدية ما نصه: أقول والمشهور المحفوظ أن
الحسن البصري إنّما لبس الخرقة من سيدنا علي بن أبي طالب لكن نوزع في اجتماعه
بسيدنا علي وصحح الجلال السيوطي ثبوت اجتماعه به قلت: صحح السيوطي اجتماع الحسن
بسيدنا علي وصحح تلقيه وأخذه عنه في كتابه الذي سماه (رفـُوا الخرقة) وفيه ما يكفي.
وقد سئل مفتي المدينة المنورة السيد أسعد طاب ثراه المتوفى سنة ست عشرة ومائة بعد
الألف عن صحة سند الصوفية رضي الله عنهم في الخرقة فأجاب بما نصه: الحمد لله وكفى
وسلام على عباده الذين اصطفى سند القوم في الخرقة صحيح أثبته جماعة من الحفاظ
ورجّحه خلائق وممن رجحه الحافظ ضياء الدين المقدسي فقال في المختارة: قال الحسن
بن الحسن البصري عن علي، وإلى هذا ذهب الحافظ السيوطي وهو الصحيح لأن العلماء ذكروا
في الأصول أن المثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم وأبوة الطريق صحيحة فقد
ورد في الخبر فيما أثر عن غير النبي: "الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علمك وأب رباك"
ولله در من قال:
أرى فـضل أستاذي على فضل والدي ii وان زاد في بر وإن زاد في تحف
فـهذا مربي العقل والعقل جوهر ii ii وهـذا مربي الجسم والجسم من صدف |
وقد أخذ الحسن البصري وهو شيخ خرقة الصوفية عن علي أمير المؤمنين كرم الله وجهه
بلا ريب فانّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه باتفاق كانت
أمه خيرة مولاة أم سلمة رضي الله عنها تخرجه إلى الصحابة يباركون عليه فممن بارك
عليه عمر رضي الله عنه ودعا له فقال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس، ذكره
الحافظ جمال الدين المزي في التهذيب وأخرجه العسكري في كتاب المواعظ بسنده، وحضر
الحسن شهادة عثمان رضي الله عنه وعمره أربعة عشر سنة قال الحافظ السيوطي: كان
يحضر الجماعة ويصلي خلف عثمان رضي الله عنه إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه إذ ذاك
بالمدينة فانّه لم يخرج منها إلى الكوفة إلا بعد قتل عثمان فكيف يستنكر سماعه منه
وهو كل يوم يجتمع به في المسجد خمس مرات من حين ميّز إلى أن بلغ أربع عشرة سنة، وزيادة
على ذلك أن عليا رضي الله عنه كان يزور أمهات المؤمنين ومنهن أم سلمة والحسن في
بيتها هو وأمه، وروى الحافظ السيوطي عن الإمام أحمد في مسنده أنه قال حدثنا هشيم
أخبرنا يونس عن الحسن عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "رفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المصاب
حتى يكشف عنه" أخرجه الترمذي وحسنه النسائي والحاكم صححه والضياء المقدسي في
المختارة، قال الحسن: رأيت الزبير يبايع عليا ذكر ذلك الحافظ الزين العراقي وروى
مثله أبو زرعة، وذكر الطحاوي والدارقطني وأبو نعيم في الحلية عدة أحاديث من طريق
الحسن عن علي رضي الله عنه قال: كفّنت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبين وبرد
حبرة، وفي حديث عقبة بن أبي الصهباء الباهلي قال: سمعت الحسن يقول: سمعت عليا
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر" الحديث، قال محمد بن
الحسن بن البصير في هذا نص صريح في سماع الحسن من علي ورجاله ثقات، قال كل ذلك الحافظ
ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى وبسند الحافظ أبي بكر بن
مسندي إلى القصار قال: صافحت الحسن البصري قال: صافحت علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قال: صافحت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صافحت كفي هذه سراداقات عرش
ربي عز وجل"، وبطريق الاستئناس ذكر جماعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليا كرّم
الله وجهه ألبسا أويسا القرني خرقة بإذن نبوي، وفي حديث أم خالد قالت: أوتي النبي
صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: "من ترون أكسو هذه" فسكت
القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إيتوني بأم خالد" قالت: فأتي بها
فألبسنيها بيده وقال: "أبلي وأخلقي" يقولها مرتين وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أصفر
وأحمر ويقول: "يا أم خالد هذا سناه" والسنا هو الحسن بلسان الحبشة وعلى هذا فسند
خرقة القوم وطريق مصافحتهم كلاهما صحيح رضي الله عنهم ونفعنا بهم والمسلمين انتهى.
وقال شيخنا علامة الزمان وأستاذ العصر والأوان القطب الفرد الجامع الرصين الأساس
سيدنا بهاء الدين مهدي ءال خزام الصيادي الرفاعي الشهير بالرواس رضي الله عنه في
كتابه (رفرف العناية) ما نصه: وقد تعين عندنا من هذه الطريقة الصحبة ولبس الخرقة
ولا عبرة بإنكار بعض الأفاضل أو جلهم فإن رجال الأخبار كثر اختلافهم وقلّ فيما
يباين مشاربهم ائتلافهم وكفى حجة للقوم وإطباق الصالحين والزاهدين والمتمكنين في
أمري الحقيقة والشريعة على هذا وناهيك بالإمام الجنيد والأئمة الأعلام السري
والكرخي والطائي وأشباههم رضي الله عنهم، وقد أنكر الكثير من الحفاظ أخذَ الأمام الحسن
البصري وسماعه أيضا عن سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله
عنه والحال أن الحافظ كمال الدين المزي ذكر في كتابه (تهذيب الكمال)، (الأطراف) مما
أفنى عمره فيهما في ترجمة سيدنا الحسن البصري عند ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم فمنهم
عقيل بن أبي طالب وأخوه علي ولم يحك فيه خلافا، وعلى كل من شيوخ الحسن رمز
الترمذي والنسائي على أخذه عن عقيل رضي الله عنه سلام الله ورضوانه عليه رمز
الترمذي والنسائي، وعلى أخذه عن عقيل رضي الله عنه رمز النسائي وابن ماجه ومما
روي عنه من طريق سيدنا علي "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه النسائي خاصة، وحديث "رفع
القلم عن ثلاثة" من طريق علي كرّم الله وجهه رواه عنه الترمذي والنسائي قال محمد
بن موسى الجرشي: أنبأنا ثمامة بن عبيدة قال: حدثنا عطية ابن محارب عن يونس عن
عبيد قال: سألت الحسن قلت: يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإنك لم تدركه قال: يا ابن أخي لقد سألتني عن شىء ما سألني عنه أحد من قبلك
ولولا منزلتك ما أخبرتك إني في زمان كما ترى-وكان في زمن الحجاج- كل شىء سمعتني أقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن علي بن أبي طالب غير أني لا أستطيع أن
أذكر عليا. انتهى. وقد أثبت الجلال السيوطي طاب ثراه سماع الحسن البصري وأخذه عن
سيدنا علي، واتفق الحافظ على أخذ الحبيب العجمي بل وأيوب السختياني ويونس بن عبيد
وعبد الله بن عوف ومحمد بن واسع ومالك بن دينار وفرقد السنجي وغيرهم من عُبّاد
البصرة عن الإمام الحسن البصري، وعلى هذا فإطباق القوم وإجماعهم على صحة هذا الاتصال
لا ينقض بإنكار غيرهم وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم"
وقد جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب
قوما ولم يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" رواه
البخاري، وقد أخذنا سند الخرقة بقصد التزيي بزي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأناسيد
الصحيحة التي ضبطها الحفاظ أمناء الرسل علماء المسلمين حفظة الحديث ورجاله رضي الله
عنهم فان الخرقة أعني الزي الذي أختاره السادة الرفاعية ومضوا عليه خلفا بعد سلف
انما هو العمامة السوداء مرسلة الطرف واختارها بعضهم بغير إرسال قال شيخ الاسلام
النووي رحمه الله في [شرح المهذب]: يجوز لبس العمامة بارسال طرفها وبغير إرساله
ولا كراهية في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شىء وصح في الإرخاء
حديث عمر بن عبيد حيث قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه
عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه رواه مسلم انتهى، وأسند الحافظ أبو موسى
المدني في كتاب السنة في سدل العمامة عن أبي داود الطيالسي قال الأشعث بن سعيد بن
عبدالله بن بشر عن أبي راشد الحبراني عن علي رضي الله عنه قال: عممني رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة سدلها من خلفي ثم قال: "إن الله عزوجل أمدني
يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمامة" وقال: "إن العمامة حاجز بين الكفر والإيمان"،
وأسند عن عبدالله بن بسر عن حكيم العنسي قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا
رضي الله عنه فعممه بعمامة سوداء وأرسلها من خلفه ثم قال: "هكذا فاعتموا حاجز
المسلمين والمشركين العمائم"، وأسند الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن أبي
موسى رضي الله عنه أن جبريل أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء
قد أرخى ذؤابته من ورائه، روى المديني عن وكيع عن سلمة بن وردان قال: رأيتُ على
أنسِ بن مالك رضي الله عنه عمامة سوداء على غير قلنسوة وقد أرخاها من خلفه، وقال:
ذكر إسماعيل بن يزيد القطان عن خالد بن عبدالرحمن القرشي عن عاصم بن عمر العمري
عن أبيه عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما أنه رأى عليه عمامة سوداء أسدلها من
خلفه قدر ذراع، وقال عبدالله بن بسر رضي الله عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء أرسلها من ورائه
أو قال على كتفه اليسرى، ومن هذه الأخبار النبوية الصادقة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمم عليا المرتضى سلام الله ورضوانه عليه بعمامة سوداء ثم قال: "هكذا
فاعتموا" الحديث، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة معتما
بعمامة سوداء بل كان كثيرا ما يعتم بالسواد كل ذلك إشارة لسيادته ودوام سؤدده
وبقاء دينه، وقد أمر عليا بهذا وعلي أمر أصحابه ومنهم الحسن البصري وعن البصري أخذ
أصحابه وتسلسل هذا حتى اتصل بسنده متدليا إلى الإمام شيخ الطريق مولانا السيد أحمد
الكبير الرفاعي رضي الله عنه ومنه والحمد لله بالسند الوثيق والطريق الحقيق لنا
ومنا وإن شاء الله لمن لحقته بيعتنا في طريقة الله تعالى وسندنا معلوم تلقاه
رجالنا كابرا عن كابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنتهى كلامه الشريف بنصه
وحروفه.
وقال الإمام ابن الصلاح: إن من القُرب لبس الخرقة وقد استخرج لها بعض مشايخنا أصلا
من السنة وهو حديث أم خالد رضي الله عنها قالت: أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم
بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: "اتوني بأم خالد" فأُتيَ بي قالت: فألبسنيها
بيده وقال: "أَبْلي وأَخلقي" ومعنى أبلي دعاء بطول الانتفاع بالثوب وهو مخرَّج في
الصحيح، قال ابن الصلاح: وفي الخرقة إسناد عالٍ جدا وذكره ثم قال: وليس بقادح
فيما أوردناه كون لبس الخرقة غير متصل إلى منتهاه على شرط أصحاب الحديث في
الأسانيد فإن المراد ما تحصل به البركة والفائدة باتصالها بجماعة من الصالحين،
انتهى كلامه.
لا يخفى أن الأسانيد المتصلة بلبس الخرقة لما ثبت أصلها في السنة من وجوه وأهمها
العمامة السوداء ووردت فيها الأخبار الصحيحة التي لا تدافع، وعليها مشى ءال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومنهم أئمة العترة وهم سادة الناس وقادتها وعنهم أخذ
أئمة الطريق بوثائقهم الصحيحة فما بقي القول باتصالها بالصالحين وعدم اتصالها على
شرط أصحاب الحديث بالأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا من الغفول عن
الأخبار والاحاديث الصحيحة التي وردت في العمامة السوداء وقد ذكرناها، نعم إن
إنكار البعض من الحفاظ للبس الخرقة الذي جرى عليه جماعة من الصوفية على هذا الوجه
لم يثبت اتصاله بالسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد في ذلك خبر صحيح ولا
ضعيف حكى كل ذلك ابن حجر والقسطلاني وأبو الخير السخاوي والذهبي والعراقي والعلائي
حتى إنهم أنكروا سماع الحسن البصري عن الإمام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه
وقالوا: ورد لبسهم للخرقة وإلباسهم لها مع الصحبة المتصلة إلى ابن قعود وإلى كميل
بن زياد وهما صحبا الإمام عليا كرم الله وجهه ولا خلاف في صحبة كميل بن زياد له
بين أئمة الجرح والتعديل قال القسطلاني: وفي الطرق اتصالها بأويس القرني وهو
اجتمع بعمر بن الخطاب وبعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهذه صحبة لا مطعن فيها،
وقال العلامة العارف بالله الشعراني في كتاب الخرقة: وقد لبس أويس ثوب سيدنا عمر
ورداء سيدنا علي رضي الله عنهما، وخلاصة ما يراد أن خرقة السادة ذات أصل في السنة
ثابت ورجالها الأئمة الذين ثبتت لهم المعالي في الأمة ولبس الخرقة الذي أنكره
الحفاظ الذين سبق ذكرهم على الوجه المتعارف عند بعض الصوفية إلباس جبة وطاقية هو
لا شك غير متصل الأسانيد بالنبي صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه فالحفاظ الكرام
الذين أنكروا هذا الوجه المتعارف قولهم حق وما ذهبوا إليه صدق إلا أن خرقة السادة
الرفاعية رضي الله تعالى عنهم لا مجال لهم ولا لغيرهم إنكارها وهي العمامة
السوداء واتصال السند بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها سبق ذكره، وإلباسه العمامة
السوداء لعلي أمير المؤمنين كرّم الله وجهه ثابت في الصحاح، وأمره له ولأصحابه
بعد إلباسه إياها بنص "هكذا فاعتموا"، ومما لا نزاع فيه وطريق خرقة الصوفية عن
الجنيد عن السري عن الكرخي وله طريقان كما سبق فطريقة المتصل بالحسن البصري،
وسماع بل وأخذ الحسن عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه صححه جلّة من الحفاظ
والمثبتة مقدمة على النافية، وعلى هذا إطباق القوم وطريق الكرخي عن الإمام علي
الرضا ابن الإمام موسى الكاظم عن أبيه إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه طريق
لا مجال للنزاع فيه ولا باتصال أسانيده وقد ثبت هذا بالبراهين وقال به الأعيان من
الحفاظ المحققين وأكابر علماء الدين، وقد ذكر بعض الأئمة لبس الحسن البصري عن
كميل بن زياد القوم الذين برأهم الله من اللوم بصاحب النور المبين سيد المرسلين
عليه أفضل صلوات البر المعين والحمد لله رب العالمين. إ.هـ
|