بيان كيف يؤخذ علم
الدين وأن العلم بالتعلم لا بالمطالعة
اعلم أنه يجب على كل مكلف أن يتعلم من علم الدين قدرا لا يستغني عنه كل فرد من المكلفين ,
وهو ينقسم إلى علم العقيدة وعلم الأحكام .
فمن الواجب على المكلف معرفته واعتقاده من أمور العقيدة :
الإيمان
بالله وبما جاء عن الله , والإيمان برسول الله وبما جاء عن رسول الله ,
كمعرفة
الشهادتين وصفات الله الواجب معرفتها وتنزيهه تعالى عما لا يليق به ونحو
ذلك , وتصدبق
الرسول محمد بكل ما جاء به عن الله من أخبار الأمم السابقة والأشياء التي
تحصل في
البرزخ ويوم القيامة أو تحليل شىء أو تحريمه ونحو ذلك , ومعرفة الأشياء
التي يخرج
من الإسلام كأنواع الكفر كي يجتنبه. ومن الواجب معرفته عن الأحكام : معرفة
أحكام
الصلاة من شروط وأركان ومبطلات والطهارة ونحو ذلك .
وهذه الأمور لا تؤخذ بالمطالعة من الكتب , لأنه قد يكون في
هذه الكتب التي يطالعها الشخص دسّ وافتراء على الدين , أو قد يفهم منها
أشياء على
خلاف ما هي عليه عند السلف والخلف على ما تناقلوه جيل عن جيل من الأمة
فيؤدي عبادو
فاسدة , أو يقع في تشبيه الله بخلقه والتمثيل والكفر والضلال . وعلى كل
فليس ذلك
سبيل التعلّم الذي نهجه السلف والخلف , قال الحافظ أبو بكر الخطيب
البغدادي أحد
كبار المحدثين :" لا يؤخذ العلم إلا من أفواه العلماء ".
إذا لا بد من تعلم أمور الدين من عارف ثقة يكون أخذ عن ثقة وهكذا إلى الصحابة , قال بعض السلف :" الذي يأخذ الحديث من الكتب يسمى صحفيا والذي يأخذ القرءان من المصحف يسمى مصحفيا ولا يسمى قارئا ", وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين , إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه "(1). وروى مسلم (2) عن ابن سيرين أنه قال :" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
ولو سمع من عالم كلام للشرع فعلى السامع أن ينبهه عن خطئه
إن كان تنبيهه لا يجر إلى مفسدة أعظم , فقد قال الله تبارك وتعالى : {
كنتم خير
أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } [ سورة
ءال
عمروان /110], فقد مدح الله تبارك وتعالى أمة النبي محمد صلى الله عليه
وسلم بهذه
الصفة . وإن العالم التقي الناصح للناس الشفيق على دينه الورع الذي يخاف
الله إذا
أخظأ فبين له خطؤه ولو أمام جمع من الناس يعود عنه ويبين للناس ذلك .
فقد أخرج سعيد بن منصور (3) والبيهقي (4) عن الشعبي قال :
" خطب عمر بن الخطاب فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال : ألا لا تغالوا في
صداق النساء ! فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شىء ساقه رسول الله صلى
الله
عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال , ثم نزل فعرضت له
امرأة من
قريش فقالت : يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك ؟
قال : بل
كتاب الله تعالى , فما ذاك ؟ قالت : نهيت الناس ءانفا أن يغالوا في صداق
النساء , والله
تعالى يقول في كتابه : { وءاتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } [
سورة
النساء /20] فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر - مرتين أو ثلاثا - ثم رجع إلى
المنبر
فقال للناس : إني كنت تهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في
ماله ما
بدا له " .ا.هـ.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجه البخاري في صحيحه : كناب العلم : باب العلم قبل
القول والعمل .
(2) صحيح مسلم : المقدمة : باب بيان أن الإسناد من الدين ,
وأن
الرواية لا تكون إلا عن الثقات , وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب
وأنه
ليس من الغيبة المحرمة , بل من الذبّ عن الشريعة المكرمة .
(3) سنن سعيد بن منصور : كتاب النكاح : باب ما جاء في
الصداق , (1/166-167).
(4) سنن البيهقي :
كتاب الصداق : باب لا وقت في الصداق كثر
أو قلّ (7/233).