المياه أقسام: منها ما يصح التطهر به و منها ما لا يصح، و هي:
ماء طاهر مطهر: أي طاهر بنفسه مطهر لغيره أي يرفع الحدث و يزيل النجس و هو
الماء المطلق أي الذي يصح إطلاق اسم الماء عليه بلا قيد كماء السماء، و
ماء البحر، و ماء النهر، و ماء العين، و ماء الثلج، و ماء البرد، و أما
الماء المقيد فهو كماء الورد و ماء الزهر فإنه لا يصلح للتطهير.
ماء طاهر غير مطهر: أي طاهر بنفسه غير مطهر لغيره أي لا يرفع الحدث و لا
يزيل النجس و هو:
_ الماء المستعمل: و هو الماء الذي استعمل في ما لا بد منه في الوضوء و
الغسل أو استعمل في إزالة نجس إذا طهر المحل و لم يتغير؛ فإن لم يطهر
المحل أو تغير بالنجاسة فهو نجس.
_ و الماء المتغير بما خالطه من الطاهرات: فإذا خالط الماء طاهر يمكن صون
الماء عنه بلا مشقة و غير الماء تغييرا كثيرا فهذا الماء لا يصلح لا
للوضوء و لا للغسل و لا لرفع نجاسة، كأن وقع في الماء حليب أو سكر فغير
لونه أو طعمه أو ريحه تغيرا كثيرا؛ أما ما يقع في الماء و لا يغيره تغييرا
كثيرا فلا يؤثر لبقاء اسم الماء عليه بلا قيد. و يستثنى من ذلك الملح
البحري فلا يؤثر في صلاحية الماء للتطهير و إن غير الماء تغييرا كثيرا
بخلاف الملح الجبلي فإنه يؤثر.
ماء نجس: اعلم أن الفقهاء الشافعيين قالوا: الماء قسمان: ماء قليل و ماء
كثير. فالماء القليل عندهم: هو ما كان دون القلتين، و الماء الكثير: هو ما
كان قلتين فأكثر، و مقدار القلتين: هو ما يملأ حفرة مدورة قطرها ذراع و
عمقها ذراعان و نصف، أو ما يملأ حفرة مربعة عمقها ذراع و ربع و كذلك عرضها
و طولها، و المراد بالذراع الذراع اليدوي.
فإذا وقع في الماء القليل نجاسة غير معفو عنها فإنها تنجسه سواء تغير
الماء أو لم يتغير، و من النجاسة المعفو عنها ميتة ما ليس له دم يسيل
كالذباب و البرغش و نحوهما، فإذا وقع في الماء ومات فيه فإنه لا ينجسه.
و أما الماء الكثير فلا يتنجس بمجرد ملاقاة النجاسة إلا أن يتغير أحد
أوصافه الثلاثة: طعمه أو لونه أو ريحه و لو تغييرا خفيفا، هذا في مذهب
الشافعي. أما في مذهب المالكية فالماء لا ينجسه شيء إن كان قليلا أو كان
كثيرا إلا النجاسة التي تغيره، و في ذلك فسحة للناس.
فصل في النجاسات
الدم نجسٌ، و كذلك القيح، وماء الجرح المتغير، و القيء، و الخمر، والبول،
والغائط، والمذي و هو ماء أبيض رقيق يخرج عند ثوران الشهوة، والودي وهو
ماء أبيض كدر ثخين يخرج عقب البول أو عند حمل شيء ثقيل، و الكلب و
الخنزير، و الميتة و عظمها و شعرها سوى ميتة السمك والجراد و الآدمي.
والمنفصل من الحي حكمه حكم ميتته، و يستثنى شعر المأكول و صوفه و ريشه و
ريقه و عرقه، و كذلك ريق و عرق الحيوان غير المأكول إلا الكلب و الخنزير و
ما تولد منهما أو من أحدهما. فشعر الهرة المنفصل عنها نجس، و صوف الضأن
المنفصل عنه و هو حي طاهر، و أما إذا انفصلت عنه يده وهو حي فهي نجسة.
والحيوان كله طاهر إلا الكلب و الخنزير و ما تولد منهما أو من أحدهما.
و النجاسة إما حكمية و إما عينية:
أما النجاسة الحكمية فهي التي زالت عينها و أوصافها فيطهر المحل بجري
الماء عليها.
و أما النجاسة العينية فإن كانت بول طفل عمره أقل من حولين لم يأكل الطعام
فيطهر المحل برش الماء على المكان الذي أصابته النجاسة حتى يعم المحل و
يغمره و إن لم يسل لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم:يُغسلُ من بول
الجارية و يُرشُّ من بول الغلام رواه أبو داود. و أما البنت فبولها كبول
الكبير و إن صغرت. و إن كانت بول ءادمي غير الطفل الذكر فيطهر المحل
بإزالة عينها و طعمها و ريحها بالماء المطهر. و يُسن التثليث في إزالة
النجاسة، و إذا عسر زوال اللون وحده أو الريح وحده عُفي عنه.
و إن كانت النجاسة كبولِ أو روثِ أو ريقِ كلب أو خنزير فيطهر بغسلها سبع
مرات إحداهن ممزوجة بترابٍ طهور و ذلك بأن يوضع في إحدى الغسلات السبع
تراب يكدر الماء تكديرا أو يوضع التراب على موضع النجاسة بعد إزالة جرمها
ثم يصب الماء فوقه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:طُهور إناء أحدكم
إذا ولغ فيه الكلب أن يُغسل سبع مرات إحداهن بالتراب رواه مسلم.
ولا يطهر من نجس العين شيء إلا الخمرة إذا تخللت
بنفسها، فإدا
خللت بطرح شيء فيها كالخبز فلا تطهر، و جلد الميتة إذا دبغ، و أما شعر
الميتة فلا يطهر.
فائدة: تربية الكلب ان كان للحراسة كحراسة الماشية
او الزرع او
البيت او كان للصيد فيجوز. واما الذي يربيه لا لشيء من ذلك فانه ينقص من
ثوابه كل يوم قيراطان والقيراط مثل جبل احد.
فصل في الاستنجاء
يجب الاستنجاء من كل رطب خارج من السبيلين إلا المني، سواء كان معتادا
كالبول و الغائط، أو غير معتاد كالمذي و الودي، فلو خرج الغائط يابسا فلم
يلوث المخرج فلا يجب الاستنجاء منه. وأما البول فالتحرز منه أمره مهم و
ذلك لأن التلوث به أكثر ما يكون سببا لعذاب القبر، قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم:استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه رواه الترمذي.
والاستنزاه من البول هو تجنب التلوث به، والتلوث بالبول من الكبائر.
ويسنّ الاستبراء وهو إخراج بقية البول بعد انقطاعه بحيث لا يخشى نزوله
بتنحنح ونحوه .
والاستنجاء يكون بالماء الطهور، أي الطاهر المطّهر، أو بالأحجار إما
بثلاثة أحجار وإما بحجر واحد له ثلاثة أطراف، وفي حكم الحجر كل قالع طاهر
جامد غير محترم (كالكلينكس) مثلاً، و القالع هو الذي يقلع النجاسة فلا
يصلح الزجاج، و المحترم كأوراق العلوم الشرعية والخبز فلا يجوز الاستنجاء
به. ولا بدّ أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر إلى أن ينقى المحل، فإن لم ينقَ
بثلاث زاد رابعة فإن أنقى بها زاد خامسة ندبا ليكون العدد وترا.
والأفضل في الاستنجاء أن يستنجي بالاحجار أولا ثم يتبعها بالماء، و يجوز
أن يقتصر على الماء أو على الاحجار ولكن الماء أفضل. و ما يفعله بعض الناس
من أنهم يضعون الماء في كف يدهم اليسرى ثم يدلكون بها محل خروج النجاسة
فهذا قبيح لا يكفي للاستنجاء.
ومن أراد الاستنجاء من الغائط بالماء يسكب الماء وقد وضع اليد على مخرج
الغائط ويدلك حتى يذهب الخارج عينه و أثره.
ويحرم استقبال القبلة و استدبارها ببول أو غائط إلا إذا كان أمامه شيء
مرتفع ثلثي ذراع فأكثر ولا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، وهذا في البرية،
أما في المكان المعدّ لقضاء الحاجة فليس حراما استقبال القبلة و استدبارها
عند البول و الغائط.
ويكره البول والغائط تحت الشجرة المثمرة ولو في غير وقت الثمر لئلا تقع
الثمار فتتنجس فتعافها الأنفس، اما إن كانت لغيره فحرام إلا بإذن صاحبها.
ويكره البول في الطريق والظل لأنه يسبب اللعنة لفاعله قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله، قال:
الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم رواه مسلم. ومواضع الشمس في الشتاء
كمواضع الظل في الصيف.
ويتجنب البول و الغائط في الثقب و الشق المستدير النازل في الأرض إن كان
صغيرا أو كان كبيرا لأنه قد يكون مأوى الهوامّ أو مأوى الجن.
ولا يتكلم عند خروج البول و الغائط فإن ذلك مكروه.
ويحرم البول في المسجد ولو في إناء.
ولا يدخل معه إلى بيت الخلاء ما كتب فيه ذكر الله أو ذكر رسول الله صلى
الله عليه و سلم.
ويسنّ للداخل أن يستعيذ بالله فيقول: (بسم الله اللهم إني أعوذ بك من
الخبث و الخبائث)، أي من ذكور الشياطين وإناثهم. ويسنّ أن يدخل برجله
اليسرى و يخرج برجله اليمنى بعكس المسجد، و يقول عند خروجه: (الحمد لله
الذي أذهب عني الأذى و عافاني).
.