التَّبَرُّكُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وءاثارِهِ (1)
هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (36)
بسم الله الرحمن الرحيم
التَّبَرُّكُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وءاثارِهِ (1)
أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الإسْلامِ عَلى اسْتِحْسانِ التَّبَرُّكِ بِالنَّبِيِّ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَمَعْنَى التَّبَرُّك طَلَبُ الْبَرَكَةِ وَالْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ. رَوَى أَبُو دَاودَ في سُنَنِهِ أَنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ بَيْنَما هُوَ يَحُثُّ الْقَوْمَ وَكَانَ فيهِ مُزَاحٌ طَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ –أَي على وَجْهٍ يُؤنِسُهُ وَلا يُؤذِيهِ- فَقَالَ أَصْبِرْنِي يا رسُولَ اللهِ قالَ "اصْطَبِرْ" قَال إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ فاحْتَضَنَهُ وَأَخَذَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ قَالَ إِنَّما أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ اهـ. وفيهِ دَليلٌ على أنَّ هَذَا الصَّحابيَّ أرادَ التَّبَرُّكَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والنَّبيُّ أَقَرَّهُ على ذَلِكَ. وَالْكَشْحُ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إِلى الضِّلَعِ الْخَلْفِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلى السُّوقِ فَوَجَدَ زُهَيْرًا يَبيعُ مَتَاعًا فَجَاءَ مِنْ قِبَلِ ظَهْرِهِ وَضَمَّهُ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ فَأحَسَّ زُهَيْرٌ أَنَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ فَجَعَلْتُ أَمْسَحُ ظَهْرِي في صَدْرِهِ رَجَاءَ حُصُولِ الْبَرَكَةِ.
وَفي كِتَابِ الإصَابَةِ لِلْحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ قَالَ رَافِعُ بنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ في حَجَّةِ الوَدَاعِ أَخَذَ أبي بِيدي حَتَّى انْتَهَيْنَا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمنًى يوْمَ النَّحْرِ فَرَأيْتُهُ يَخْطُبُ على بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ فَقُلْتُ لأَبِي مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى أَخَذْتُ بِسَاقِهِ ثُمَّ مَسَحْتُهَا حَتَّى أَدْخَلْتُ كَفِّي بَيْنَ أَخْمَصِ قَدَمِهِ والنَّعْلِ اهـ. والأَخْمَصُ مَا دَخَلَ مِنْ بَاطِنِ القَدَمِ فَلَمْ يُصِبِ الأَرْضَ.
وَرَوى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحيحَيْهِما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ شَعَرَهُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ أَمَرَ الْحَلاقَ أبا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ بِتَقْسيمِ شعرِهِ بينَ الصَّحَابَةِ. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَويُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ :مِنْ فَوَائِدِ الْحَديثِ التَّبَرُّكُ بِشَعَرِهِ صلى الله عليه وسلم وجَوَازُ اقْتِنَائِهِ للتَّبَرَّكِ اهـ. وَقَالَ مِثْلَهُ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في فَتْحِ الْبَارِي. وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّوْزِيعَ للشَّعَرِ لِلتَّبَرُّكِ بِالشَّعَرِ إِذِ الشَّعَرُ لا يُؤكَلُ، قَالَ الزُّرْقَانِيُّ: إِنَّما قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ في أَصْحَابِهِ لِيَكُونَ بَرَكَةً بَاقِيَةً لَهُمْ وَتَذْكِرَةً لَهُمْ اهـ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ يا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ تُرْسِلُ لي الطَّعَامَ فأَنْظُرُ فَأَضَعُ أَصَابِعي حَيْثُ أَرَى أَثَرَ أَصَابِعِكَ حَتَّى كَانَ هَذَا الطَّعَامُ قالَ "أَجَلْ إِنَّ فيهِ بَصَلاً فَكَرِهْتُ أَنْ ءاكُلَ مِنْ أَجْلِ الْمَلَكِ وَأَمَّا أَنْتُم فَكُلُوا". قَالَ الْحَافِظُ النَّوَويُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: ففيهِ التَّبَرُّكُ بأَهْلِ الصَّلاحِ بِالطِّعَامِ وَغَيْرِهِ اهـ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ في صَحيحهِ قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: دَفَعْتُ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ بِالأَبْطَحِ في قُبَّةٍ كَانَتْ بِالْهَاجِرَةِ فَخَرَجَ بِلالٌ فَنَادَى بِالصَّلاةِ ثُمَّ دَخَلَ فَأخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأخُذُونَ مِنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ :كَأَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمَاءَ الَّذي فَضَلَ عَنْهُ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ في صَحيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلى أَبي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدْمٍ -أي مِنْ جِلْدٍ- وَرَأَيْتُ بِلالاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِصَاحِبِهِ. قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَفي الْحَديثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْتِمَاسُ الْبَرَكَةِ مِمَّا لامَسَهُ الصَّالِحُونَ اهـ. قالَ الْعَيْنِيُّ في عُمْدَةِ الْقَارِي: قَوْلُهُ "وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ" بِفَتْحِ الوَاوِ هُوَ الْمَاءُ الَّذي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقَوْلُهُ "يَبْتَدِرُون" أَيْ يَتَسَارَعُوَنَ وَيَتَسَابَقُونَ إِلَيْهِ تَبَرُّكًا بآثَارِهِ الشَّريفةِ، وَفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يأَخُذُونَ يَدَيْهِ فَجَعَلُوا يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ قَالَ فَأَخْذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا على وَجْهي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلامٍ: فيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحينَ اهـ.
فانظر ياطالب الحقّ كيف كان أصحاب الرّسول يتبرّكون به وبما مسّه وكيف كان الرّسول يقرّهم على ذلك.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|