أَقْوَالٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا 12
بسم الله الرحمن الرحيم
أَقْوَالٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا 12
يَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إِذَا رَأواْ امْرَأَةً (هَذِهِ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَهَا رَجُلاً ثُمَّ خَلَقَهَا امْرَأَةً) فَهَذَا الْقَوْلُ رِدَّةٌ لأَنَّ فيهِ نِسْبَةَ الْبَدَاءِ إِلى اللهِ أَي نِسْبَةَ الْحُدُوثِ لأَنَّهُمْ نَسَبُوا تَغَيُّرَ الْمَشِيئَةِ إِلَيْهِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ أَنَّ مَشِيئَةَ اللهِ لا تَتَغَيَّرُ وَأنَّ أَقْوى أماراتِ الْحُدُوثِ التَّغَيُّر. بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَمَا يَسْمَعونَ هَذِهِ الآية: } كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْن { يَظُنُّونَ أنَّ مَعْناهَا أنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ كُلَّ يَوْم، وهذا جَهْلٌ وَكُفْرٌ، إِنَّما مَعْنى الآية كَما فَسَّرَها رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: "يَغْفِرُ ذَنْبًا ويَكْشِفُ كَرْبًا ويَرْفَعُ قومًا ويَضَعُ ءاخَرِين"، مَعْناهُ أَنَّ اللهَ يُحْدِثُ كُلَّ يَومٍ أشْياءَ، مَخْلُوقاتٍ جَديدَةً، أمَّا هُوَ فَلا يَتَغَيَّر، كَما يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ العامَّةِ والْخاصَّةِ: "يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّر".
وَيَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ (فُلانٌ مِثْلُ الْقِطّ بِسَبْعَةِ أَرْوَاحٍ) فَهَذَا الْكَلامُ فَاسِدٌ لأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ بَهِيمَةٍ وَكُلَّ إِنْسَانٍ فِيهِ رُوحٌ وَاحِدَةٌ فَقَط، وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَكُونُ مُرْتَدًّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَشَهَّدَ لِلرُّجُوعِ إِلى الإسْلامِ.
وَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ (النَّبَاتُ فيهِ رُوحٌ) فَإِنَّ هَذَا الْكَلامَ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلإجْمَاعِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُؤدِّي إِلى أَنَّ مَنْ كَسَرَ شَيئًا مِنَ النَّبَاتَاتِ يَكُونُ تَعْذِيبًا لِذِي رُوحٍ بِلا سَبَبٍ وَبُطْلانُ هَذَا ظَاهِرٌ، أَمَّا قَوْلُهُ تعالى "وَءايَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33}" [سورة يس] فَمَعْنَاهَا أَنَّ الأَرْضَ الَّتي لَمْ يَكُنْ فِيها نَبَاتٌ نَامٍ جَعَلْنَا فيها نَبَاتًا يَنْمُو.
وَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ (إِنَّ الْبَهَائِمَ لا أَرْوَاحَ لَهَا) فَإِنَّ هَذَا تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءانِ وَالْحَديثِ وَالإجْمَاعِ قَالَ اللهُ تعالى " وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ {5}" [سورة التكوير] وقَال صلى الله عليه وسلم "إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُوحٌ لَمَا كَانَ لِهَذَا الْكَلامِ مَعْنًى، فَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ الْبَهَائِمَ لا أَرْوَاحَ لَهَا فَقَدْ كَفَرَ.
وَيَجِبُ التَّحْذيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ (إِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلى النَّبِيِّ في صُورَةِ عَائِشَةَ) لأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، فَكَمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمَلائِكَةَ لا يَتَشَكَّلُونَ بِأَشْكَالِ النِّسَاءِ، يَتَشَكَّلُونَ بِأَشْكَالِ الرِّجَالِ جَمِيلي الْصُّورَةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ ءالَةِ الذُّكُورِيَّةِ، كَمَا كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَأْتِي إِلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، كَانَ في كَثيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ يَأْتِي عَلَى هَيْئَةِ صَحَابِيٍ اسْمُهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، وَقَدْ وَرَدَ في الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَاهُ وَمَعَهُ صُوُرَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في قِمَاشَةٍ، لَمْ يَأْتِهِ مُتَشَكِّلاً في صُوُرَةِ عَائِشَةَ، لا، بَلِ اللهُ تعالى خَلَقَ مِثَالاً لَهَا، صُورَةً لِعَائِشَةَ، فَأَتَى بِهِ إِلى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَأَرَاهُ لِلرَّسُولِ، هَذَا وَرَدَ في الْحَدِيثِ الْصَّحِيحِ. حَرْفٌ وَاحِدٌ قَدْ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، الَّذِي وَرَدَ في الْحَديث "بِصُورَةِ" وَلَيْسَ "في صُورَةِ"، فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ أَتى بِصُورَةِ كَذَا وَبَيْنَ أَنْ تَقُولَ أَتى في صُوُرَةِ كَذَا، فَفِي لُغَةِ الْعَرَبِ حَرْفٌ وَاحِدٌ قَدْ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، الْجَاهِلُ بِعِلْمِ الْدِّينِ لا يُمَيِّزُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ فَيُهْلِكُ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ وَهُوَ لا يَدْرِي.
وَيَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَلاحِدَةِ (إِنَّ الرَّسُولَ كَانَ مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِالنِّسَاءِ لِذَلِكَ عَدَّدَ الزِّوَاج) وَأَمَّا تَعْدِيدُ الزِّوَاجِ بِالنِّسْبَةِ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ فَمِمَّا خَصَّهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ - وَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ - مِنَ الأَحْكَامِ حِلُّ الْجَمْعِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ وَتَحْرِيِمُ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانِ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِظْهَارُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ تَشْرِيعٌ مِنَ اللهِ، وَفِي ذَلِكَ دِلاَلَةٌ عَلَى صِدْقِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي دَعْوَى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، لأَنَّهُ لَوْ لَمَ يَكُنْ يَتْبَعُ الْوَحْيَ مِنْ رَبِّهِ لَمْ يَتَجَرَّأْ عَلَى أَنْ يَقُولَ لِلنَّاس: أَنَا يَجُوزُ لِي أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ النِّسَاءِ وَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِي الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، لَكِنَّهُ لاَ يُبَالِي إِلاَّ بِتَنْفِيذِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ، كَانَ هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِرْضَاءَ رَبِّهِ بِتَبْلِيغِ تَشْرِيعِ مَوْلاَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَبْدِيلٍ وَلاَ تَقْصِيرٍ وَلاَ هَوَادَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ خَوْفٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ مِنْ وَقِيعَةٍ وَاعْتِرَاضِ بَعْضٍ عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الْقَائِلُ:
إِنْ صَحَّ مِنْكَ الرِّضَا يَا مَنْ هُوَ الطَّلَبُ
فَلاَ أُبَالِي بِكُلِّ النَّـاسِ إِنْ غَضِبُوا
كَانَ هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ مِنْ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ تَبْلِيغٍ يُبَلِّغُهُ، أَيْ يُرْضِيَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إِذْ كَانَ قَلْبُهُ مُمْتَلِئًا بِشُهُودِ أَنَّهُ لاَ ضَارَّ وَلاَ نَافِعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلاَّ اللهُ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، لأَنَّ هَذِهِ الْكَلْمَةَ تَحْتَوِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى اخْتَصَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ عَنْ غَيْرِهِ، لأَنَّهُ لاَ خَالِقَ لِمَنْفَعَةٍ وَلاَ لِمَضَرَّةٍ فِي الظَّاهِرِ أَوْ فِي الْبَاطِنِ إِلاَّ هُو، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ ﴾ [فاطر، 2].
والله أعلم وأحكم......
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|