درس في العقيدة مهم جدا
هذا درسٌ في العقيدَةِ مُهِمٌّ جِدًّا. الغَلَطُ في التَّوحيدِ هَلاكٌ كبيرٌ يُؤَدِّي إلَى الكُفْرِ. استَمِعُوا بِانْتِبَاهٍ.
اللهُ سبحانَهُ وتعالَى مَوجُودٌ لا يُشْبِهُ الموجُودَاتِ. ذاتُهُ أَزَلِيٌّ أبَدِيٌّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ عَدَمٌ وَلا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ. قَالَ الإِمَامُ أبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيُّ: "تَعالَى عَنِ الحُدودِ وَالغَايَاتِ وَالأَرْكانِ وَالأَعْضَاءِ والأدَوَاتِ"، إِذَا قِيلَ اللهُ ليسَ بِمَحْدُودٍ ليسَ مَعْنَاهُ أنهُ شَىْءٌ مُمْتَدٌّ إلَى غَيْرِ نهايَةٍ، معناهُ ليسَ لهُ حَجْمٌ كبيرٌ أو صغيرٌ. الذِي يعتَقِدُ أنَّ اللهَ شىءٌ مُمْتَدٌّ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ كَافِرٌ. مَنْ ظَنَّ أنَّ اللهَ لهُ امتِدَادٌ لا نِهَائِيٌّ كافِرٌ، كُلُّ شىءٍ لَهُ مقدَارٌ مَخْلُوقٌ، والعرشُ الذِي هو أكبرُ العَوَالِمِ مَخْلُوقٌ. الوَهَّابِيَّةُ تقُولُ: "اللهُ بقَدْرِ العَرْشِ"، ومنهُمْ مَنْ يَقُولُ "تَرَكَ مِنَ العَرْشِ بُقْعَةً لِيُقْعِدَ عليهَا الرَّسولَ يَوْمَ القِيَامَةِ". هَؤلاءِ جَعَلُوا العَرْشَ جِسْمًا أَكْبَرَ مِنَ اللهِ. وَلَوْ قَالُوا بِقَدْرِ العَرْشِ فَهُمْ كُفَّارٌ، وَلَوْ قَالُوا أَوْسَع مِنَ العَرْشِ بِآلافِ المرَّاتِ فَهُمْ أيضًا كُفَّارٌ كُفَّار. كُلُّ شىءٍ يَحُلُّ فِي جِهَةٍ جِسْمٌ. النُّورُ أليسَ يَأْخُذُ مَكانًا؟ وَالظَّلامُ أليسَ يَأْخُذُ مَكَانًا؟ فَالنُّورُ جِسْمٌ وَالظَّلامُ جِسْمٌ. الذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ فِي جِهَةِ فَوْقٍ كَفَرَ.
بعضُ الشَّافِعِيَّةِ خالَفَ كَلامُه كلامَ الإِمامِ الشَّافِعِيَّ، قَالَ هَؤُلاءِ الشافعيَّةُ: "الجَاهِلُ إذَا قالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ" هذَا كُفْرٌ.
إذَا قالَ الشخصُ: "اللهُ فِي السَّماءِ" وَفَهِمَ من ذلكَ أَنَّ اللهَ حَالٌّ في السماءِ كَافِرٌ، أَمَّا إِذَا كانَ يَفْهَمُ مِنْ ذلكَ أَنَّ اللهَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شىءٍ دَرَجَةً لا يَكْفُرُ. في القرءانِ وَرَدَ: ﴿وَهُوَ اللهُ في السَّمَواتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ سورة الأنعام / 3، مَعْنَاهَا اللهُ مَعْبُودٌ فِي السَّمواتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي السمواتِ تعبُدُه الملائكةُ وفي الأرضِ يعبُدُه مُؤْمِنُو الإِنْسِ وَمُؤْمِنُو الجِنِّ. قَالَ اللهُ تعالَى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّماءِ﴾ سورة الملك/ 16، هذهِ الآيةُ الذِي يُفَسِّرُها على الظاهِرِ يَظُنُّ مِنْهَا أَنَّ اللهَ حَالٌّ في السماءِ، والذِي لا يَفْهَمُ الحُلولَ يَفْهَمُ مِنْهَا أنَّ اللهَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شىءٍ دَرَجَةً فَلا يَكْفُرُ. كذلِكَ مَنْ قَالَ: ﴿الرَّحمنُ على العرشِ استَوَى﴾ سورة طه / 5، إِنْ فَهِمَ مِنْهَا أَنَّ اللهَ قَهَرَ العَرْشَ فَهُوَ حَقٌّ. العَرْشُ الذِي هُوَ أكبَرُ المخلوقَاتِ مَقْهُورٌ للهِ مَعْنَاهُ أنَّ اللهَ قَهَرَ كلَّ شَىءٍ. أمَّا الذِي يَفْهَمُ مِنْهَا الجلوسَ كَفَرَ. الشافعِيُّ قالَ: "المُجَسِّمُ كَافِرٌ". بعدَ أنْ قالَ الشافِعِيُّ المجسِّمُ كافِرٌ، فَإِذَا وَجَدْنَا فِي كُتُبِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ "مَنْ قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ" نَنْبُذُ كلامَهُ لا نَعْتَبِرُهُ شَيْئًا (لأنَّ هذَا كُفْرٌ). نَرُدُّهُ لأنَّهُ خَالَفَ كَلامَ الإمامِ، الشَّافِعِيُّ وُلِدَ سنةَ مائَةٍ وَخَمْسينَ مِنَ الهِجْرَةِ وَتُوُفِّي سَنَةَ مائَتَيْنِ وَأَرْبَع مِنَ الهجرَةِ.
وَرَدَ حديثٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "عالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِبَاقَ الأَرْضِ عِلْمًا" مَعْنَاهُ سيَأتِي عالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِبَاقَ الأَرْضِ عِلْمًا. العُلماءُ نَظَرُوا قَالُوا مَنْ يَكونُ؟ قالُوا الشَّافِعِيُّ لأنَّ عِلْمَهُ انْتَشَرَ فِي الأَرْضِ، في أندونيسيا واليَمنِ وَالحبَشَةِ والصومالِ حَتَّى بلادِ إيران. قالوا مَا وجَدْنَا عَالِمًا انتَشَرَ عِلْمُه في الأَرْضِ كَمَا انْتَشَرَ عِلْمُ الشافِعِيِّ. يُوجَدُ كِتابٌ يُقالُ لَهُ كِتَابُ القَواعِدِ لِلْعِزِّ بنِ عبدِ السلامِ ذَكَرَ فيهِ (وهذا كلام مردود): "مَنْ قَالَ اللهُ في جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ قالَ لأنَّ التَّخَلِّي عَنْ هَذا صَعْبٌ"، هَذَا الكَلامُ مَرْدُودٌ لأنهُ خالفَ كَلامَ الإمامِ.
كُلُّ شىءٍ يكونُ في جِهةٍ فَهُوَ جِسْمٌ، إمَّا جِسْمٌ لَطِيفٌ أَوْ جِسْمٌ كَثِيفٌ. الجِسْمُ اللطِيفُ كالنُّورِ وَالرِّيحِ والظلامِ، والجسمُ الكَثيفُ كالنَّجمِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ. النجمُ والشَّمسُ والقمَرُ في هذا الفراغِ فوقَنَا، هذا الفَراغُ مِنْ هنا إلَى السَّماءِ الأولَى مَسيرَةُ خَمْسِمائةِ سنةٍ، الريحُ في هذَا الفَراغِ، الرِّيحُ جِسمٌ. الذِي يَقُولُ اللهُ في السماءِ وَيَظُنُّ أنَّ اللهَ ضوءٌ وَنُورٌ حَلَّ في جهةِ السَّماءِ جَعَلَهُ جِسْمًا، كَفَرَ. والذِي يَقُولُ بِصُورَةِ البَشَرِ أَكْفَرُ. كانَ فِي الماضِي مُشَبِّهَةٌ يَدَّعُونَ الإِسْلامَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: "اللهُ بِصُورَةِ شَابٍّ أَمْرَد" وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: "بِصُورَةِ شَيْخٍ أَشْمَط" اخْتَلَطَ سَوادُ شَعَرِهِ بِبَيَاضِهِ. كانُوا يَدَّعونَ الإسلامَ وَيُصَلُّونَ وَيَصومُونَ، هؤلاءِ أَكْفَرُ مِنَ الذِي يَقُولُ اللهُ جِهَةَ فَوْقٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِصُورَةِ بَشَرٍ. الذِي جَعَلَهُ بصورَةِ بَشَرٍ أكفَرُ، هذَا مَعْنَى المجَسِّمِ.
أما "وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ معانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ" معناهُ أنَّ الذِي يَعْتَقِدُ أنَّ للهِ كَلامًا كَكَلامِ البَشَرِ مِنْ حَرْفٍ وصوتٍ والذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ بِمُقَابَلَةٍ، أي يَرَى العَالَمَ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ كافِرٌ، كذلكَ الذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ المؤمِنينَ يَرَوْنَ اللهَ بَعْدَما يَدْخُلونَ الجنَّةَ فِي جِهَةٍ مِنَ الجِهَاتِ أَوْ فِي كُلِّ الجِهاتِ فَهُوَ أيضًا كافِرٌ بَلْ يَرَاهُ المؤمنونَ في الجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ مقابَلَةٍ مِنْ غَيْرِ أن يكونَ في جِهَةٍ مِنْهُمْ، اللهُ يُرَى لا كَمَا يُرى المخلوقُ، المخلوق يُرَى قَرِيبًا بِالمسافَةِ أو بعيدًا بالمسافَةِ.
كذلكَ الذِي يَظُنُّ أنَّ كلامَهُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ شَبَّهَهُ بِالبَشَرِ. نحنُ كلامُنَا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. أبُو حَنِيفَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ كانَ أَدْرَكَ الصحابَةَ، وُلِدَ سنةَ ثَمَانِينَ مِنَ الهِجْرَةِ تَعَلَّمَ العِلْمَ مِمَّنْ تَعَلَّمَ مِنَ الصَّحابَةِ قالَ: "نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ وَالحُروفِ وَاللهُ يَتَكَلَّمُ بِلا ءالَةٍ وَلا حَرفٍ". الذِي يقولُ اللهُ يتكلَّمُ بالآلةِ والحرفِ وَالصَّوتِ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ. هذَا البَيانُ لَيسَ شيئًا جَديدًا، أَبُو حَنيفَةَ قالَه، قالَ: "نَحنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ والحُروفِ" معناهُ بعضُ الحروفِ تَخْرُجُ مِنَ الشفَةِ، وبعضُها مِنَ الحَلْقِ لا تَخْرُجُ إلاَّ مِنَ الحَلْقِ، وبعضُها مِنْ طَرَفِ اللسانِ، الحروفُ لَهَا مَخَارجُ. الذِي يَقُولُ اللهُ يتكلَّمُ بِالحَرْفِ وَالصَّوتِ جعلَهُ كخَلْقِهِ. الذِي يَظُنُّ أنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقْطَعُ أو يَظُنُّ أنَّ اللهَ عَلِمَ أشياءَ ثُمَّ عَلِمَ أشياءَ ثُمَّ علمَ أشياءَ هذَا جعلَ اللهَ مِثْلَ خَلْقِهِ، جَعَلَ اللهَ حَادِثًا. اللهُ لا تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ حادِثَةٌ، قالَ أبو حَنِيفَةَ: "مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ حَادِثَةٌ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَقَّفَ فَهُوَ كَافِرٌ". القُرْءَانُ نَقُولُ عَنْهُ كَلامُ اللهِ لا بِمَعْنَى أَنَّ اللهَ قَرأَهُ بِالحَرْفِ وَالصَّوْتِ، بَلْ نَقُولُ كلامُ اللهِ لأنَّهُ عبارَةٌ عَنْ كَلامِ اللهِ الأَزَلِيِّ، كمَا إِذَا قُلْنَا "الله" ذَكَرْنَا اللهَ بالحرفِ والصوتِ لكن اللهُ الذِي نَذْكُرُهُ شَىءٌ لا كَالأَشْيَاءِ.
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|