أصول الإيمان السته 6
الايمان بالقدر خيره وشره
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل {الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الأخر وبالقدر خيره وشره } قوله صلى الله عليه وسلم وبالقدرِ خيره وشره أراد بقولهِ وبالقدر صفةَ الله ,أي يجب الايمان بأن كل ما يدخل في الوجود يدخل بتدبير أزليٍ من الله فتدبير الله الذي هو صفته أزلي أبدي، شامل لكل ما يدخل في الوجود من الأجرام والأعمال خيرها وشرها, وتقدير الله الذي هو صفته لا يوصف بالشر. ويكون معنى خيرهِ وشرهِ :أن المقدور أي المخلوق فيه خير وشر، وهذا المقدور دخل في الوجود بتدبير الله الأزلي ،فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم استعمل القدر على معنى صفة الله ،وأعاد الضمير عليه على معنى المقدور وهو المخلوق . قال الله تعالى:{ إنا كل شىء خلقناه بقدر} أي بتدبير أزلي وروى مسلم في صحيحه أن الرسول قال:[ كل شىء بقدر حتى العجزُ والكيس] أي الغباء والذكاء فلا يجوز أن يقال إن الله قدّر الخير ولم يقدر الشر لأن هذا ضدُ القرءان والحديث والعقل .
وتقدير الله للشر وإرادته للشر وخلقه للشر ليس قبيحا منه تعالى إنما فعل العبد للقبيح قبيح وذلك لأن العبد مأمور بفعلِ الخيرِ منهيٌ عن فعل الشر, أما الله تعالى فهو الآمر الذي لا آمر له والناهي الذي لا ناهي له .
والفرق بين الخير والشر أن الخير يحبه الله وأمر به والشر لا يحبه الله ونهى عنه وإلا فكل بخلق الله وتقدير الله وعلم الله ومشيئته .
فإذا سأل سائل الانسان مخير أم مسير ؟ فالجواب أن يقال :إن الإنسان مختار تحت مشيئة الله , فالإنسان له اختيار لكنه لا يخرج عن مشيئة الله قال الله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } فلا يقال الإنسان له اختيار مستقل عن مشية الله ولا يقال الإنسان مجبور على فعل ما يصدر منه باختياره لأن الجبر ينافي التكليف والله تعالى يقول :{لايكلف الله نفسا الا وسعها} ويقول :{ لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت} فالإنسان لا يكون منه إلا ماقدَّرَ الله كما قال عليه الصلاة والسلام :(وقل اعملوا فكل ميَسَرٌ لما خلق له ) وحظ العبد من فعله توجيه القصد نحو العمل ،والله يخلقه عند ذلك إن شاء, فالعباد مظاهر لاكتساب الأعمال لا حظ لهم في الخلق قال الله تعالى: {هل من خالق غير الله } معناه لا خالق الا الله وروى ابن حبان انه صلى الله عليه وسلم قال: }ان الله صانع كلِ صانعٍ وصنعتِه) اي صانع العبدِ وفعلِه .
ومن أقوى الأدلة لأهل السنة أن الله هو خالق فعلِ العبد لا حظَّ للعبد في الخلق ،قولُه تعالى }: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} معناه وما رميت يا محمدُ خلقاً ،إذ رميت كسباً ،ولكن الله رمى خلقاً.
وقد سئل الامام الشافعى عن القدر فقال :
ماشئتَ(اي يا الله) كان وان لـم أَشَــأ وماشِئتُ إن لم تَشأ لم يكـن
خلَقتَ العبادَ على ما علمـتَ ففي العلم يجرى الفتى والمُسِـنّ
على ذا منَنتَ وهذا خذَلـتَ وهذا أعَنتَ وذا لم تُعــِــن فمنهم شقيٌ ومنهم سعــيدٌ وهذا قبيحٌ وهذا حســــن (اي المخلوق منهالقبيح ومنه الحسن)
فسر الشافعيُّ القدرَ بالمشيئةِ وبينَ أن ما شاءه الله لابد أن يكون وماشاءه العبد لايكون إلا إذا شاء الله وأن كل شئ بخلقٍ الله وعلمه ومشيئته .
وقد ضلَ أناسٌ ينتسبون للإسلام فجعلوا مشيئة الله تابعة لمشيئة العبد وهذا ضدُ قوله تعالى :{ وماتشاءون إلا ان يشاء الله ربُ العالمين}.
وقالتِ المعتزلةُ قبّحهم الله :إن الله خلق أجسام العباد وأعطاهم القدرة على خلق أفعالهم ثم صار عاجزاً عن خلقها وهذا من أشنعِ الكفر قال بعض العلماء : المعتزلة جعلوا الله كمن قيل فيه المثل : أدخلته داري فأخرجني منها, معناه جعلوا الله مغلوباً في ملكهِ , والله يقول :{والله غالبٌ على أمره}.اي مشئية الله نافذة
وقد التقى الصاحب بن عباد المعتزليّ ،عند القاضي عبد الجبار، بالإمامِ أبي إسحقَ الأسفراييني فبدأ الصاحب كلامهُ بقولهِ : سبحان من تنزه عن الفحشاء يريد بذلك أن الله لم يشأ حصول الشر ولم يخلقه, فقال له أبو إسحاق: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء فقال المعتزلي: أيحبُ ربُنا أن يعصى فقال أبو إسحق : أيعصى رَبُنا قهرا فقال المعتزلي : أرأيتَ إن منعني الهدى وحكم علي بالردى أحسنَ إلي أم أساء فقال أبو إسحق : إن منعك ماهو لك فقد أساء وإن منعك ما هو له فإنه يختص برحمته من يشاء فسكت المعتزلي وانقطع لأن الإمام أبا إسحق كَسَرَهُ بالحجةِ .
فتبينَ لكَ أيها الطالبُ للحقِ أن كل مادخلَ في الوجودِ بمشيئةِ الله وعِلمِه وتقديرهِ وخلقه سواءٌ في ذلك الجسمُ والعمل الخيرُ والشر الكُفرُ والإيمانُ إلا أن الخيرَ يحبهُ الله وأمرَ به والشر لا يحبهُ الله ونهى عنهُ.
وقد روى ابنُ حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال :[إن الله لو عذَّب أهل أرضهِ وسمواته لعذَّبَهُم وهو غيرُ ظالمٍ لهم ولو رحِمَهُم كانت رحمتُهُ خيراً لهم من أعمالِهم ولو أنْفَقْتَ مثلَ أحدٍ ذهبا في سبيل الله ماقَبِلَهُ الله منك حتى تُؤمنَ بالقدرِ وتعلمَ أنَّ ما أصابَك لم يكن ليُخطئَكَ وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مُتَّ على غيرِ هذا دَخَلْت النار].
مواضيع ذات صلة
|
|
|
|
|
|